قال أبو الفرج بن الجوزي: لما وقع الغرق سنة أربع وخمسين وخمسمائة، غرقت كتبي، وسلم لي مجلد، فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
ومن نهي أبي عبد الله عن الكلام، قال المروذي: أخبرت قبل موت أبي عبد الله بسنتين أن رجلا كتب كتابا إلى أبي عبد الله يشاوره في أن يضع كتابا يشرح فيه الرد على أهل البدع، فكتب إليه أبو عبد الله.
قال الخلال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله. قال: وأخبرني محمد بن علي الوراق قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: كتب رجل إلى أبي يسأله عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم، فأملى علي أبي جواب كتابه: أحسن الله عاقبتك، الذي كنا نسمع عليه من أدركنا أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تعد ذلك. ولم يزل الناس يكرهون كل محدث، من وضع كتاب، وجلوس مع مبتدع، ليورد عليه بعض ما يلبس عليه في دينه.
وقال المروذي: بلغني أن أبا عبد الله أنكر على وليد الكرابيسي مناظرته لأهل البدع.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: قد جاءوا بكلام فلان ليعرض عليك.
وأعطيته الرقعة، فكان فيها: والإيمان يزيد وينقص فهو مخلوق، وإنما قلت إنه مخلوق على الحركة والفعل لا على القول، فمن قال: الإيمان مخلوق، وأراد القول، فهو كافر. فلما قرأها أحمد وانتهى إلى قوله: الحركة والفعل، غضب، فرمى بها وقال: هذا مثل قول الكرابيسي؛ وإنما أراد الحركات مخلوقة، إذا قال الإيمان مخلوق، وأي شيء بقي؟ ليس يفلح أصحاب الكلام.
قلت: إنما حط عليه أحمد بن حنبل لكونه خاض وأفتى وقسم، وفي هذا عبرة وزاجر، والله أعلم. فقد زجر الإمام أحمد كما ترى في قصة الرقعة التي في الإيمان، وهي والله بحث صحيح، وتقسيم مليح. وبعد هذا فقد ذم من أطلق الخلق على الإيمان باعتبار قول العبد لا باعتبار مقوله، لأن ذلك نوع من الكلام، وهو كان يذم الكلام وأهله، وإن أصابوا، ونهى عن تدقيق النظر في أسماء الله وصفاته، مع أن محمد بن نصر المروزي قد سمع إسحاق بن راهويه يقول: خلق الله الإيمان والكفر، والخير والشر.