على الشام، فسار بعساكره، فبدأ بالرحبة، فحاصرها، ومرض مرضًا حادًا، فتسلم القلعة، ومات بعد ساعة، وبقي مطروحًا على بساط، وتفرق جيشه، ونهب بعضهم بعضًا، فأراد غلمانه أن يقيموا ولده، فأشار الوزير أنوشروان بالأتابك زنكي لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنج، لعنهم الله.
وفيها سئل أبو الفتح الإسفراييني في مجلسه ببغداد عن الحديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، فقال: لم يصح، والحديث في الصحيح.
وقال يومًا على المنبر: قيل يا رسول الله، كيف أصبحت؟ فقال: أعمى بين العميان، ضالًا بين الضلال، فاستحضره الوزير، فأقر، وأخذ يتأول تأولات فاسدة، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية: لو قال هذا الشافعي ما قبلنا منه، ويجب على هذا أن يجدد إيمانه وتوبته، فمنع من الجلوس بعد أن استقر أنه يجلس، ويشد الزنار، ثم يقطعه ويتوب، ثم يرحل، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، وكان أشعريًا، فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب العوام، فافتتن به خلق، وزادت الفتن ببغداد، وتعرض أصحابه لمسجد ابن جردة فرجموه، ورجم معهم أبو الفتوح، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف مسللة، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء، فرجم ورميت عليه الميتات، ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله، إنما هو عبارة ومجاز، ولما مات ابن الفاعوس انقلبت بغداد، وغلقت الأسواق، وكان عوام الحنابلة يصيحون على عادتهم: هذا يوم سني حنبلي لا أشعري ولا قشيري ويصرحون بسب أبي الفتوح هذا، فمنعه المسترشد بالله من الجلوس، وأمره أن يخرج من بغداد، وكان ابن صدقة يميل إلى السنة، فنصرهم.