للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يعتمده في فترة أخرى، وهو ينطلق في ذلك، على ما نرى، من ثلاث قواعد رئيسة هي:

أ - المعاصرة والمشاهدة.

ب - تفضيل المورد الأقدم عند عدم توافر المعاصرة.

ج - التخصص التأليفي.

[أ - المعاصرة والمشاهدة]

عني الذهبي بالمؤلفات السابقة التي عاصر مؤلفوها الحدث التاريخي أو المترجم، وفضلها على غيرها، بالرغم من شعوره بالخطر الذي يجيء من اعتماد التواريخ المعاصرة حينما قال في ترجمة داود بن علي العباسي "وفي الخلفاء وآبائهم وأهلهم قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم خوفًا من السيف والضرب، وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويُغضي عن مساوئها، هذا إذا كان المحدث ذا دين وخير فإن كان مداحًا مداهنًا لم يلتفت إلى الورع بل ربما أخرج مساوئ الكبير وهناته في هيئة المدح والمكارم والعظمة فلا قوة إلا بالله" (١). وتفضيله هذا جاء من اعتقاده أن الاعتماد على معاصرة الحدث التاريخي ومشاهدته من ضرورات الدقة في المعرفة، ولذلك رجح في الأغلب الروايات التي رواها المعاصرون على غيرها (٢). كما أن أقوال الجرح والتعديل لا تؤخذ إلا من الرجال الذين اتصلوا بالمترجمين كأن يكونوا من تلامذتهم أو رفاقهم في الطلب، لأنهم هم وحدهم العارفون بهم وبمدى صحة مروياتهم، وهكذا فإن الاتصال والمشاهدة شرط مهم من شروط النقد.

ويمكننا أن نميز عناية الذهبي بالخبر المعاصر والراوي المشاهد حينما نتتبع نوعيةَ الموارد التي ينقلُ منها في عصرٍ من العصور، وطبيعةِ نُقُولِه من الموارد التي شملت فترة زمانية طويلة تَعَدَّتْ عصر المؤلف، والاهتمام بذكر موارد الكتب التي ينقل منها، وعنايته بالألفاظ الدالة على المعاصرة والمشاهدة، وإليك تبيانًا لأبرز هذه المظاهر.


(١) ٣/ ٦٤٢، ونقله السخاوي في الإعلان ص ٤٨٩.
(٢) انظر مثلًا الورقة ٤٨ (أيا صوفيا ٣٠١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>