أتيت السوق، فاشتريت علفا بدرهم، فرأيت رجلا فسخرته، فحملت عليه العلف، فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يا أبا عبد الله، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: لم أعرفك، فضعه عافاك الله، فأبى حتى أتى منزلي به.
وقال الحسن البصري: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على ثلاثين ألفا، يخطب في عباءة، يفترش نصفها ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده.
وقال النعمان بن حميد: رأيت سلمان وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت، رواها بعضهم فزاد فيها: فقلت له: فلم تعمل؟ يعني: لم وليت، قال: إن عمر أكرهني، فكتبت إليه فأبى علي مرتين. وكتبت إليه فأوعدني.
وقال عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر، فإذا رجل نائم مستظل بشجرة، معه شيء من الطعام في مزود تحت رأسه، وقد التف في عباءة. فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا، فانتبه، فإذا هو سلمان، فقلت: ما عرفناك، فقال: يا جرير تواضع في الدنيا، فإنه من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة. يا جرير لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده، لأن أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا جرير تدري ما ظلمة النار؟ قلت: لا، قال: ظلم الناس بعضهم بعضا.
وقال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا، ثم يدعو المجذومين فيأكلون معه.
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا، فإن كنت