للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سنة ستٍّ وأربعين قدِم العلاّمة شمسُ الدّين الخُسْروشاهي على الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب وهو بدمشق رسولاً من النّاصر، ومعه ولد النّاصر الأمجد حسن، ومضمون الرّسالة: إن تتسلّم الكرك وتعوّضني عنها الشَّوْبك وخبزاً بمصر. فأجابه ثمّ رحل إلى مصر مريضاً. ثمّ انثنى عزْم النّاصر عن ذلك لمّا بلغه مرضُ الصّالح وخروج الفرنج.

ثمّ دخلت سنة سبْع، وضاقت يدُ النّاصر وعليه كُلَف السّلطنة، فاستناب ابنه الملك المعظَّم عيسى بالكرك، وأخذ ما يعزّ عليه من الجواهر، ومضى إلى حلب مستجيراً بصاحبها كما فعل عمُّه الصّالح إسماعيل، فأكرمه. وسار من حلب إلى بغداد، فأودع ما معه من الجواهر عند الخليفة، وكانت قيمتها أكثر من مائة ألف دينار، ولم يصل بعد ذلك إليها.

وأمّا ولداه الظّاهر والأمجد، فإنّهما تألّما لكونه استناب عليهما المعظَّم، وهو ابن جارية، وهما ابنا بنت الملك الأمجد ابن الملك العادل، فأمُّهما بنت عمّه وبنت عمّ الصّالح، وكانت محسنة إلى الصّالح لمّا كان معتقلاً بالكرك غاية الإحسان، وكان ولداها يأنسان به ويلازمانه، فاتّفقا مع أمّهما على القبض على الملك المعظَّم فقبضا عليه، واستوليا على الكرك، ثمّ سار الأمجد إلى المنصورة فأكرمه الصّالح وبالغ، فكلّمه في الكرك، وتوثَّق منه لنفسه وإخوته، وأن يعطيه خبزاً بمصر، فأجابه، وسيَّر إلى الكرك الطُّواشي بدر الدّين الصّوابي نائباً له. فجاء إلى السلطان أولاد النّاصر وبيته فأقطعهم إقطاعات جليلة، وفرح بالكرك غاية الفرح مع ما هو فيه من المرض المخ ف، وزيّنت مصر لذلك. وبلغ النّاصر داودَ ذلك وهو بحلب، فعظُم ذلك عليه. ثمّ لم يلبث الصّالح أن مات، وتملّك بعده ابنه تورانشاه قليلاً، وقُتل، فعمد الصوابي فأخرج الملك المغيث عُمرَ ابن الملك العادل ابن السّلطان الملك الكامل من حبْس الكرك، وملّكه الكرك والشَّوْبَك.

وجاء صاحب حلب فتملّك دمشق، ثمّ مرض بها مرضاً شديداً، ومعه الصّالح إسماعيل والنّاصر داود. فقيل: إن داود سعى في تلك الأيّام في السّلطنة. فلمّا عُوفي السّلطان بلغه ذلك، فقبض عليه وحبسه بحمص، ثمّ أفرج عنه بعد مدّة بشفاعة الخليفة، فتوجّه إلى العراق فلم يؤذن له في دخول بغداد، فطلب وديعته فلم تحصل له. ثمّ ردّ إلى دمشق. ثمّ سار إلى بغداد في

<<  <  ج: ص:  >  >>