للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن العز: وحدثني الزاهد خليل بن عبد الغني بن مقلَّد، قال: كنت بحلقة الحنابلة إلى جانب الشيخ عبد الله، فقام ومعه خادمه توبة إلى الكلاّسة، ليتوضأ، وإذا برجل متختّلٍ يفرّق ذهباً، فلما وصل إليّ أعطاني خمسة دنانير، وقال: أين سيدي الشيخ؟ قلت: يتوضأ. فجعل تحت سجّادته ذهباً، وقال: إذا جاء قل له: مملوكك أبو بكر التكريتي يُسلّم عليك، ويشتهي تدعو له. فجاء الشيخ وأنا ألعب بالذهب في عُبّي، ثم ذكرت له قول الرجل، فقال توبة: من ذا يا سيدي؟ قال: صاحب دمشق؛ وإذا به قد رجع، ووقف قدّام الشيخ، والشيخ يُصلي، فلما سلم أخذ السواك ودفع به الذهب، وقال: يا أبا بكر، كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق؟ وتغزل امرأة وقيّة تبيعها فيؤخذ منها قرطيس؟ فلما راح أبطل ذلك، وكان الملك العادل.

قال ابن العز: وأخبرني المعمَّر محمد بن أبي الفضل، قال: كنت عند الشيخ وقد جاء إليه المعظَّم، فلما جلس عنده، قال: يا سيدي ادعُ لي. قال: يا عيسى لا تكن نحس (١) مثل أبيك. فقال: يا سيّدي وأبي كان نحس؟ قال: نعم؛ أظهر الزغل (٢)، وأفسد على الناس المعاملة، وما كان محتاج. قال: فلما كان الغد أخذ الملك المعظم ثلاثة آلاف دينار، وطلع إلى عند الشيخ بها، وقال: هذه تشتري بها ضيعة للزاوية. فنظر إليه، وقال: قم يا ممتحن يا مبتَدع، لا أدعو الله تنشق الأرض وتبتلعك، ما قعدنا على السجاجيد حتى أغنانا؛ تحتي ساقية ذهب وساقية فضة! أو كما قال.

وأخبرني إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي طالب النجّار، قال: أنكر الشيخ عبد الله على صاحب بعلبك، وكان يسميه مجيد، فأرسل إليه الأمجد يقول: إن كانت بعلبك لك فأشتهي أن تُطلقها لي، فلم يبلّغه رسول الأمجد ذلك.

قال: وأخبرني الإمام أبو الحسن الموصلي، قال: حضرت مجلس الشيخ الفقيه ببعلبكّ، وهو على المنبر، فسألوه أن يحكي شيئاً من كرامات الشيخ عبد الله، فقال بصوت جهير: كان الشيخ عبد الله عظيم، كنت عنده؛ وقد ظهر


(١) هكذا بخط المؤلف، وهي من كلام الشيخ، والصواب: نحسًا.
(٢) الزغل: العملة المغشوشة.