والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب، ثم أفيضت علي خلع من ثياب الخلافة مذهبة، ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا ببعض الأستاذين خرج لي من عند السيدة بنت الإمام الحافظ بخمسمائة دينار أخرى. وأطلقت لي رسوم لم تطلق لأحد قبلي. وتهادتني أمراء الدولة إلى منازلهم، واستحضرني الصالح للمجالسة، وانثالت علي صلاته، ووجدت بحضرته أعيان أهل الأدب الجليس أبا المعالي بن الجباب، والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الإنشاء، وأبا الفتح محمود بن قادوس، والمهذب حسن بن الزبير. وما من هذه الجلة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرياسة الإنسانية بأوفر نصيب. وأما جلساؤه من أهل السيوف فولده مجد الإسلام، وصهره سيف الدين حسين، وأخوه فارس الإسلام بدر، وعز الدين حسام، وعلي بن الرند، ويحيى بن الخياط، ورضوان، وعلي هوشات، ومحمد ابن شمس الخلافة.
قلت: وعمل عمارة في الصالح عدة قصائد، وتوجه إلى مكة مع الحجاج، ثم ذكر أنه قدم في الرسلية أيضًا من أمير مكة. وذكر أنه حضر مجلس الصالح طلائع، قال: فكانت تجري بحضرته مسائل ومذاكرات ويأمرني بالخوض فيها، وأنا بمعزل عن ذلك لا أنطق، حتى جرى من بعض الأمراء ذكر بعض السلف، فاعتمدت قوله تعالى: فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، ونهضت، فأدركني الغلمان، فقلت: حصاة يعتادني وجعها. وانقطعت ثلاثة أيام، ورسوله في كل يوم والطبيب معه. ثم ركبت بالنهار، فوجدته في بستان وقلت: إني لم يكن بي وجع، وإنما كرهت ما جرى في حق السلف، فإن أمر السلطان بقطع ذلك حضرت، وإلا فلا، وكان لي في الأرض سعة، وفي الملوك كثرة، فتعجب من هذا وقال: سألتك ما الذي تعتقد في أبي بكر وعمر؟ قلت: أعتقد أنه لولاهما لم يبق الإسلام علينا ولا عليكم، وأن محبتهما واجبة، فضحك، وكان مرتاضًا حصيفًا قد لقي في ولايته فقهاء السنة وسمع كلامهم، وقد جاءتني منه مرة أبيات معها ثلاثة أكياس ذهب، وهي قوله: