وفيها قبض على الملك ناصر الدولة بن حمدان ولده أبو تغلب، لأن أخلاقه ساءت، وظلم وعسف وقتل جماعة وشتم أولاده وتزايد أمره، فقبض عليه ابنه بمشورة الدولة في جمادى الأولى ونفّذه إلى قلعة، ورتب له كل ما يحتاج إليه، ووسّع عليه، وقال: هذا قد اختلّ مزاجه.
وفي رجب دخل أبو المعالي حلب وفرح الناس به.
وفي هذه الأيام نزلت الروم على رعبان، فسار عسكر حلب للكشف عنها، فترحل ملك الروم، ثم سار عسكر حلب فنزلوا على حصن سرجون فافتتحوه بعد أيام بالسيف بعد حرب عظيم، وأخذوا منه ما لا يوصف، وحصل من السبي خمسة آلاف آدميّ، ثم نازلوا حصن سنّ الحمراء، فافتتحوه وسبوا منه نحو الألف، وأسروا ثلاثمائة علج، وأسروا سرجون لعنه الله، وهو الذي كان أسر أبا فراس بن حمدان فلله الحمد.
وغزت الخراسانية مع لؤلؤ الحجراجي من أنطاكية إلى ناحية المصّيصة، فالتقاهم ثلاثة آلاف فارس من الروم، فنصر الله وقتلوا ألفاً من الروم، وأسروا خلقاً، وردّوا بالغنائم إلى أنطاكية، ثم عادوا غزوا فأصيبوا.
وسار نحو ألفي فارس من الترك إلى مصر لأنّ كافوراً راسلهم.
ودخل الثغر محمد بن عيسى رئيس الخراسانية ومعه ابن شاكر الطرسوسي، فظفروا وغنموا وردّوا بالغنائم. وتأخّر في الساقة محمد بن عيسى وابن شاكر في نحو ثمانمائة فارس، فدهمهم جموع الروم، فقال ابن عيسى: ما أستحلّ أن أولّيهم الدّبر بعد أن قربوا. وسار ابن شاكر يكشفهم فإذا هم فيما يقال في ثلاثين ألفاً، فرجع وقال: لا طاقة لك بهؤلاء، فلم يقبل، والتقاهم وقاتلوا أشد قتال، وأنكوا في الروم نكاية عظيمة، واستشهد عامّة المسلمين، وبقي محمد بن عيسى في مائة وخمسين فارساً، فقال له ابن شاكر: لا تلقي بيدك إلى التهلكة، فقال له فقيه معه: إن وليت الدبر لحقوك وقتلوك وأنت فارّ، فقاتل حتى قتل أكثر أصحابه، ثم أسر محمد بن عيسى، وابن شاكر، ثم ورد الخبر بأنّ ابن عيسى اشترى نفسه بمائة ألف درهم وبمائة وعشرين علجاً كانوا بأنطاكية، وبرطل فصوص فيروزج، وإنّه بعد ذلك غزا العدوّ وظفر، رحمه الله تعالى وغفر له.