ولما حضرناك عند البياع عرفنا بهديك طرق الهدى فقابلتنا بوقار المشيب كمالا وسنك سن الفتى وصلى بالناس في دار الخلافة المغرب، ثم بايعه من الغد الأمير حسن بن عيسى ابن المقتدر، ولم يركب السلطان للبيعة غضبا للأتراك وذلك لأنهم هموا بالشغب، لأجل رسمهم على البيعة، فتكلم تركي بما لا يصلح في حق الخليفة، فقتله هاشمي، فثار الأتراك وقالوا: إن كان هذا بأمر الخليفة خرجنا عن البلد، وإن لم يك فيسلم إلينا القاتل.
فخرج توقيع الخليفة: لم يجر ذلك بإيثارنا، ونحن نقيم في القاتل حد الله. ثم ألحوا في طلب رسم البيعة، فقيل لهم: إن القادر لم يخلف مالا. ثم صولحوا على ثلاثة آلاف دينار. فعرض الخليفة خانا بالقطيعة وبستانا وشيئا من أنقاض الدور على البيع.
ووزر له أبو طالب محمد بن أيوب، ثم جماعة منهم: أبو الفتح بن دارست، وأبو القاسم ابن المسلمة، وأبو نصر بن جهير. وكان قاضيه أبو عبد الله ابن ماكولا، ثم أبو عبد الله الدامغاني، وكان للقائم عناية بالأدب.
وفي ثامن عشر ذي الحجة عملت الشيعة يوم الغدير، وعمل بعدهم أهل السنة الذي يسمونه يوم الغار، وهذا هذيان وفشار. ثم إن العيارين ألهبوا الناس بالسرقة والكبسات، ونزلوا بواسط على قاضيها أبي الطيب وقتلوه، وأخذوا ما وجدوا.
ولم يحج أحد من العراق لاضطراب الوقت.
وخرجت السنة ومملكة جلال الدولة ما بين بغداد وواسط والبطائح، وليس له من ذلك إلا الخطبة. فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد، والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك، والوزارة خالية من ناظر فيها، والخلافة مستضعفة، والناس بلا رأس. فلِلّهِ الأمر.
[سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة]
في المحرم خرجوا ببغداد للاستسقاء.
وفي عاشوراء عُلقت المسوح وناحوا، أقام ذلك العيارون.