وسمعت أبي يقول: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري. فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث.
قلت: إنما ألقى عليه من حديث الزهري، لأن محمدا كان إليه المنتهى في معرفة حديث الزهري، قد جمعه وصنفه وتتبعه حتى كان يقال له الزهري.
قال: وسمعت أبي يقول: وبقيت بالبصرة سنة أربع عشرة ثمانية أشهر، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت. فمضيت مع صديق لي أدور على الشيوخ، فانصرف رفيقي العشي، ورجعت فجعلت أشرب الماء من الجوع. ثم أصبحت، فغدا علي رفيقي، فطفت معه على جوع شديد، وانصرفت جائعا. فلما كان من الغد، غدا علي فقلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما بك؟ قلت: لا أكتمك، مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا.
فقال: قد بقي معي دينار، فنصفه لك، ونجعل النصف الآخر في الكراء، فخرجنا من البصرة، وأخذت منه النصف دينار.
سمعت أبي يقول: خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري، وصرنا إلى الجار، فركبنا البحر، فكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا. وخرجنا إلى البر نمشي أياما حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء. فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب، ويوم الثاني كمثل، ويوم الثالث. فلما كان المساء صلينا وألقينا بأنفسنا، فلما أصبحنا في اليوم الثالث، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، وكنا ثلاثة، أنا، وشيخ نيسابوري، وأبو زهير المروروذي. فسقط الشيخ مغشيا عليه، فجئنا نحركه وهو لا يعقل. فتركناه ومشينا قدر فرسخ، فضعفت وسقطت مغشيا علي، ومضى صاحبي يمشي، فرأى من بعيد قوما قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم ماء، فسقوه وأخذوا بيده، فقال لهم: الحقوا رفيقين لي، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحت عيني، فقلت: اسقني فصب من الماء