للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية. قال: نعم، وخلع قلنسوته فأعطاها للخليفة وأعطى رئيس الرؤساء محضرة ذماما، فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه. فأرسل إليه البساسيري: أتخالف ما استقر بيننا؟ فقال قريش: لا.

ثم اتفقا على أن يسلم إليه رئيس الرؤساء ويترك الخليفة عنده، فسلمه إليه، فلما مثل بين يديه قال: مرحبا بمهلك الدول ومخرب البلاد. فقال: العفو عند المقدرة.

قال: قد قدرت أنت فما عفوت، وأنت صاحب طيلسان، وركبت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي، فيكف أعفو أنا، وأنا صاحب سيف.

وأما الخليفة فحمله قريش إلى مخيمه، وعليه البردة وبيده السيف، وعلى رأسه اللواء، وأنزله في خيمة، وسلم زوجته بنت أخي السلطان طغرلبك إلى أبي عبد الله بن جردة ليقوم بخدمتها، ونهبت دار الخلافة وما والاها أياما، وسلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارش بن مجلي، وهو دين ذو مروءة، فحمله في هودج وسار به إلى حديثة عانة، فنزل بها، وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك مستنفرين له، ولما وصل الخليفة إلى الأنبار شكى البرد، فبعث يطلب من متوليها ما يلبس، فأرسل إليه جبة ولحافا.

وركب البساسيري يوم الأضحى، وعلى رأسه الألوية المصرية، وعبر إلى المصلى بالجانب الشرقي، وأحسن إلى الناس، وأجرى الجرايات على الفقهاء، ولم يتعصب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة دارا وراتبا، وكانت قد قاربت التسعين.

وفي آخر ذي الحجة أخرى رئيس الرؤساء مقيدا وعليه طرطور، وفي رقبته مخنقة جلود وهو يقرأ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية، فبصق أهل الكرخ في وجهه لأنه كان يتعصب للسنة، ثم صلب كما تقدم.

وأما عميد العراق فقتله البساسيري أيضا، وكان شجاعا شهما فيه فتوة وهو الذي بنى رباط شيخ الشيوخ.

ثم بعث البساسيري بالبشارة إلى مصر، وكان وزيرها أبا الفرج ابن أخي أبي القاسم المغربي، وهو ممن هرب من البساسيري، فذم فعله، وخوف من سوء عاقبته. فتركت أجوبته مدة، ثم عادت بغير الذي أمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>