حتّى سمعناه بآذاننا. وما عسى أن أفعل به؟ ثمّ بعث خلفه خلعاً وصلةً، فلم يقبلها، وخرج من فوره إلى هراة ولم يتلبث.
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السّلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل الأنّصاري، وسلموا عليه وقالوا: قد ورد السّلطان، ونحن على عزم أن نخرج ونسلّم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام على الشيخ الإمام، ثمّ نخرج إلى هناك. وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنماً من نحاس صغيراً، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا. وذهب الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السّلطان، واستغاثوا من الأنّصاري أنّه مجسّم، وأنه يترك في محرابه صنماً، ويقول: إن الله على صورته، وإن بعث السّلطان الآن يجد الصّنم في قبلة مسجده. فعظم ذلك على السّلطان، وبعث غلاماً ومعه جماعة، ودخلوا الدار وقصدوا المحراب، وأخذوا الصنم من تحت السجادة، ورجع الغلام بالصّنم، فوضعه بين يدي السّلطان، فبعث السّلطان من أحضر الأنّصاري، فلما دخل رأى مشايخ البلد جلوساً، ورأى ذلك الصنم بين يدي السّلطان مطروحاً، والسلطان قد اشتد غضبه، فقال له السّلطان: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن هذا أسألك.
فقال: فعمّ يسألني السّلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنّك تعبد هذا، وأنّك تقول: إن الله على صورته. فقال الأنّصاري: سبحانك، هذا بهتان عظيم. بصوت جهوريّ وصولة، فوقع في قلب السّلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم: أصدقوني، وهدّدهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بليةٍ من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شرّه عنا، فأمر بهم، ووكل بكلّ واحد منهم، ولم يرجع إلى منزله حتّى كتب خطه بمبلغٍ عظيم يحمله إلى الخزانة. وسلموا بأرواحهم بعد الهوان والجناية.
وقال أبو الوقت السّجزيّ: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجوينيّ فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيّخ أبي إسماعيل الأنّصاري. فقال: رضي الله عنه؟
وعن أبي رجاء الحاجيّ قال: سمعت شيخ الإسلام عبد الله الأنّصاري يقول: أبو عبد الله بن منده سيّد أهل زمانه.