فقلت: أنا حنبلي. فقال: مذهبٌ ما سمعت به وهذه بدعة. وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة. فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلسٌ عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: ما قال؟ قال: أنا حنبليّ. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم.
فقلت: الرجل كما وصف لي: ولزمته أياماً وانصرفت.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أنّ السّلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الفريقين من الشافعية والحنفية للشكاية من الأنّصاري، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير، فلما حضر قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم إما أن ترجع وإما أن تسكت عنهم.
فقام الأنّصاري وقال: أناظر على ما في كميّ، فقال: وما في كميك؟ قال: كتاب الله، وأشار إلى كمه الأيمن، وسنّة رسوله، وأشار إلى كمه اليسار، وكان فيه الصّحيحان. فنظر الوزير إليهم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطريق.
وسمعت أحمد بن أميرجة القلانسيّ خادم الأنّصاري يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير أبي عليّ، يعني نظام الملك، وكان أصحابه كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ. قلت: وكان قد غرب عن هراة إلى بلخ. قال: فلمّا دخل عليه أكرمه وبجّله، وكان في العسكر أئمة من الفريقين. في ذلك اليوم، قد علموا أن الشيخ يأتي، فاتفقوا على أن يسألوه عن مسألةٍ بين يدي الوزير، فإن أجاب بما يجيب بهراة سقط من عين الوزير، وإن لم يجب سقط من عيون أصحابه. فلما استقر به المجلس قال: العلويّ الدبوسي: يأذن الشّيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟ قال: سل. فقال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت، وأطرق الوزير. فلما كان بعد ساعةٍ، قال له الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف الأشعري، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم غير نبي.
ثمّ قام وانصرف، فلم يمكن أحدٌ أن يتكلم بكلمةٍ من هيبته وصلابته وصولته. فقال الوزير للسائل أو من معه: هذا أردتم، كنا نسمع أنّه يذكر هذا بهراة، فاجتهدتم