فخر الملك أبا عليّ، فتوهّموا فيه أنه يفسد الدولة العباسية، فتسحب إلى الموصل ونفق على قرواش، ثم عاد إلى بغداد.
وفي جمادى الأولى عُزل أبو المطاع بن حمدان عن إمرة دمشق، وأعيد إليها بدر العطار. ثم صُرِف بعد أيام بالقائد ابن بزال، فولِيَها نحوا من أربعة أعوام.
سنة ثلاث وأربعمائة.
فيها قُلد الشريف الرضي أبو الحسن الموسَوِيّ نقابة الطالبيين في سائر الممالك، وخُلِعَتْ عليه خلعة سوداء، وهو أول طالبي خُلِعَ عليه السواد.
وفيها عَمر رُستاقَ العراق فخر الملك الوزير، فجاء الارتفاع لحق السلطان بضعة عشر ألف كُر.
وفيها، في أولها بل في صَفرَ، وقْعة القرعاء، جاء الخبر بأن فُلَيْتَة الخفاجيّ سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة من بني خَفَاجة، فغور الماء وطرحَ في الآبار الحنظل، وقعد ينتظر الرَّكْب. فلما وردوا العقبة حبسهم ومنعهم العبور، وطالبهم بخمسين ألف دينار. فخافوا وضعُفُوا، وأجهدهم العطش، فهجم عليهم، فلم يكن عندهم مَنَعَة، فاحتوى على الجِمال والأحمال وهلك الخلق، فقيل: إنه هلك خمسة عشر ألف إنسان، ولم يفلت إلا العدد اليسير، وأفلت أميرهم محمد بن محمد بن عمر العلوي في نفر من الكِبار في أسوأ حال بآخر رَمقَ. فورد على فخر المُلْك الوزير من هذا أعظم ما يكون وكتبَ إلى عامل الكوفة بأن يُحسن إلى من توصل ويُعينهم. وكاتب علي بن مَزْيد وأمره أن يطلب العرب، وأن يُوقِع بهم، فسار ابن مَزْيد، فلحقهم بالبرية وقد قاربوا البصرة، فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم وأسر القوي والد فُلَيتَةَ والأشتر وأربعة عشر رجلا من الوجوه، ووجدَ الأموال والأحمال قد تمزقت وتفرقت، فانتزع ما أمكنه وعاد إلى الكوفة، وبعث الأسرى إلى بغداد، فشهروا وسجِنوا، وجُوع بعضهم، ثم أطعموا المالح، وتُرِكوا على دجلة يرون الماء حتى ماتوا عطشا.