بمذاهب الأئمة وأقوال العلماء. يحفظ المدونة حفظا جيدا، والنوادر لابن أبي زيد، وقد أريد على الرُّسلية إلى البربر فأبى، وقال: إني في جفاء وأخاف أن أؤذى. فقال الوزير: رجل صالح يخاف الموت! قال: إن أخفه فقد خافه أنبياء الله؛ هذا موسى حكى الله عنه أنه قال:{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ}.
قال ابن حيان: توفي الفقيه المشاور، الحافظ المستبحر الرواية البعيد الأثر، الطويل الهجرة في طلب العلم، الناسك المتقشف أبو عبد الله ابن الفخار بمدينة بلنسية في عاشر ربيع الأول، فكان الحفل في جنازته عظيما، وعاين الناس فيها آية من طيور أشباه الخطاف، وما هي بها، تخللت الجمع رافةً فوق النعش جانحةً إليه مشفةً، لم تفارق نعشه إلى أن ووري فتفرقت. عاين الناس منها عجبا تحدثوا به وقتا، ومكث مدة ببلنسيةُ مُطاعا عظيم القدر عند السلطان والعامة، وكان ذا منزلة عظيمة في الفقه والنسك، صاحب أنباء بديعة رحمه الله.
وقال جُماهر بن عبد الرحمن: صلى على ابن الفخار الشيخ خليل التاجر ورفرفت عليه الطير إلى أن تمت مواراته.
وكذا ذكر الحسن بن محمد القُبُّشي من خبر الطيور، وزاد: كان عمره نحو الثمانين سنة، وكان يقال إنه مجاب الدعوة، واختبرت دعوته في أشياء.
وقال أبو عمرو الداني: توفي في سابع ربيع الأول عن ست وسبعين سنة، وهو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس رحمه الله.
وقد ذكره عياض القاضي فقال: أحفظ الناس، وأحضرهم علما، وأسرعهم جوابا، وأوقفهم على اختلاف الفقهاء وترجيح المذاهب، حافظا للأثر، مائلا إلى الحجة والنظر. فر عن قرطبة إذ نذرت البربر دمه عند غلبتهم على قرطبة.