للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راكب حجرة (١) وما يتفقان، فقال: انزل أنت واركب خلفي وأركب أنا الحجرة وهي تقف مع الحصان إذا كنت فوقه، فنزلت وناولته لجامها وركبت خلفه، ثم نزل هو وجلس يريق الماء وجعل يولع بذكره ويمازحني، ثم قام وركب حصانه ومسك لي الحجرة حتى ركبت وإذا بغبار عظيم فقال لي: سق واكشف الخبر، فسقت فإذا بيدرا والأمراء، فسألتهم عن سبب مجيئهم، فلم يردوا علي وساقوا إلى السلطان، فبدأه بيدرا بالضربة فقطع يده وتممه الباقون، ثم بعد يومين طلع والي تروجة وغسلوه وكفنوه ووضعوه في تابوت، ثم سيروا من القاهرة الأمير سعد الدين كوجبا الناصري فأحضر التابوت ودفن في تربة والدته، وكان من أبناء الثلاثين.

١٦٧ - سنجر، الأمير الكبير، علم الدين الشجاعي، المنصوري.

كان رجلاً طويلاً، تام الخلقة، أبيض اللون، أسود اللحية، عليه وقار وهيبة وسكون وفي أنفه كبر وفي أخلاقه شراسة وفي طبيعته جبروت وانتقام وظلم، وله خبرة تامة في السياسة والعمارات والرأي، ولي شد الديار المصرية، ثم الوزارة، ثم ولي نيابة دمشق، فلطف الله بأهلها وقلل من شره بعض الشيء فوليها سنتين، ثم صرف بعز الدين الحموي وانتقل إلى مصر عالي الرتبة وافر الحرمة، ولقد كان يعرض في تجمل وهيبة لا تنبغي إلا لسلطان، ولما قدم من قلعة الروم كان دخوله عجبًا، طلب جارنا يونس الحريري وأمره أن يعمل له سناجق أطلس أبيض وفيه عقاب أسود، فعملها على هيئة سناجق السلطنة، قال لي يونس: عملناها عرض أربعة أذرع بالجديد، في طول نحو تسعة أذرع.

قلت: كان منها فوق كوساته خمسة صفًا واحدًا، وهي في غاية الحسن واللمعان ولها طزر (٢) مقصوصة محررة، أظن فيها: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ وتعجب الناس وقالوا: هذه لا تكون إلا لسلطان وكان رنكه قبل ذلك لت أحمر في بياض ..

وكان له من الخيل المسومة والمماليك الترك والزينة والذهب والرخت


(١) الحِجرة: الأنثى من الخيل وفي وجود الهاء في آخره كلام، راجعه في "حجر" من تاج العروس.
(٢) جمع طزرة، وهي صفائح فضية فيها كتابة، أصلها فارسي. (معجم دوزي ٧/ ٥١).