فخرج كل من كان في مجلسه لرؤيته سوى يحيى. فأعجب ذلك مالكا، وسأله: من أنت؟ وأين بلدك؟ ولم يزل بعد مكرما له.
وعن يحيى بن يحيى، قال: أخذت بركاب الليث، فأراد غلامه أن يمنعني، فقال الليث: دعه. ثم قال لي: قد خدمك العلم. فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك.
وقيل: إن عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس نظر إلى جارية في رمضان، فلم يملك نفسه أن واقعها، فندم وطلب الفقهاء، فحضروا، فسألهم عن توبته، فقال يحيى: صم شهرين متتابعين. فسكتوا، فلما خرجوا قالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهبنا عن مالك، أنه يخير بين العتق والصوم والإطعام؟ فقال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم، ويعتق رقبة، فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
وقال ابن عبد البر: قدم يحيى بن يحيى إلى الأندلس بعلم كثير، فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار عليه، وانتهى السلطان والعامة إلى رأيه. وكان فقيها حسن الرأي، كان لا يرى القنوت في الصبح، ولا في سائر الصلوات. ويقول: سمعت الليث بن سعد يقول: سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو أربعين يوما يدعو على قوم، ويدعو لآخرين. قال: وكان الليث لا يقنت.
قال ابن عبد البر: وخالف يحيى مالكا في اليمين مع الشاهد، فلم ير القضاء به ولا الحكم، وأخذ بقول الليث في ذلك. وكان يرى كراء الأرض بجزء مما يخرج منها على مذهب الليث، وقال: هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، وقضى بدار أمين إذا لم يوجد في أهل الزوجين حكمان يصلحان لذلك.
وقال ابن عبد البر أيضا: كان يحيى بن يحيى إمام أهل بلده، والمقتدى به منهم، والمنظور إليه، والمعول. وكان ثقة عاقلا، حسن الهدي والسمت، يشبه في سمته بسمت مالك. ولم يكن له بصر بالحديث.
وقال ابن الفرضي: كان يفتي برأي مالك، وكان إمام وقته وواحد