من العزيزية الذين قفزوا إلى مصر سنة ثمان وأربعين، لأنّه بلغه أن الملك النّاصر كاتبهم، فقبض على كبارهم، ونهب خِيمَهم. فبلغ ذلك الملك الناصر ففتر وضعُفت همّته.
وكان الفارس أقطايا قد طغى وتجبَّر بحيث إنه إذا ركب إلى القلعة يدوس موكبُه الناس ويضربونهم، ولا يلتفت على المُعزّ ولا على غيره، والخزائن بحُكمه. ثم أراد أن يسكن في القلعة وأن تخلى له دار السّلطنة، وطاش وأسرف، فقتله المُعزّ، وهربت مماليكه.
قال شمس الدّين الجَزَري في تاريخه: فحدّثني عزُّ الدّين أَيْبك الفارسي في سنة تسع وسبعين قال: طلع أستاذنا إلى القلعة في شعبان على عادته، فرتّب له المُعزّ عشرة منهم مملوكه قُطُز، الذي تسلطن، فقتلوه، فركبت البحرية وغلمان الفارس فبلغوا سبعمائة وأتوا القلعة، فرمى برأس الفارس إليهم، فهرب طائفة إلى الكرك إلى الملك المغيث، وطائفة إلى الشام، وطائفة طلبوا الأمان. وكنت أنا وخُشْداشي في اثني عشر مملوكًا قد أخذنا كلّ واحد فرسًا وجنبيًا وهجينًا، وطلعنا من القاهرة في الليل، وقصدنا البرِّية، فوقعنا في تيه بني إسرائيل، فبقينا خمسة أيام في البرية، ونحرنا بعض الهجن فأكلناه، ثم سرنا يومًا وليلةً، فلاح لنا في اليوم السابع عمارةٌُ فقصدناها، فلقينا صورة مدينة بأسوارٍ وأبواب جميعها زجاج أخضر، فدخلناها فوجدنا الرمل ينبعُ في أماكن منها، وبعضه قد وصل إلى السُّقُوف، وأكثر الأسواق ما فيها رمل بل الدّكاكين على حالها، وفيها قماش، فكنا نمَسُّه فيصير هباءً، وكذلك أخشاب السُّقوف حتى النُّحاس قد تفتّت. ووجدنا صينية نحاس فيها ميزان، فحين رفعناها تفتّتت، ووجدنا فيها تسعة دنانير عليها صورة غزال وعليها حروف عبراني. فبقينا يومنا ندور في تلك المدينة إلى أن وجدنا أثر رشَحٍ، فحفرنا نحو ذراعين، فظهرت بلاطة فقلعناها، فإذا صهريج ماء، فشربنا وسقينا الدواب، ونَحرنا فرسًا وهجينًا، وشوينا اللهم على الشيح، ثم تزوَّدنا من الماء ونحن