قال ابن طرخان: سمعته يقول: كنت أحمل للسّماع على الكتف سنة خمسٍ وعشرين وأربع مائة، وأوّل ما سمعت من الفقيه أبي القاسم أصبغ بن راشد. وكنت أفهم ما يقرأ عليه. وكان ممّن تفقه على أبي محمد بن أبي زيد. وأصل أبي من قرطبة، من محلةٍ يقال لها الرصافة، وسكن جزيرة ميورقة، وبها ولدت.
قال يحيى ابن البنّاء: كان الحميدي من حرصه واجتهاده ينسخ بالليل في الحرّ، فكان يجلس في إجانة ماءٍ يتبرّد به.
وقال الحسين بن محمد بن خسرو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدق على الحميدي، وظنّ أنّه قد أذن له فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحميدي وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحدٌ منذ عقلت.
وقال ابن ماكولا: لم أر مثل صديقنا الحميدي في نزاهته وعفّته وورعه وتشاغله بالعلم. صنّف تاريخاً للأندلس.
وقال السّلفي: سألت أبا عامر محمد بن سعدون العبدري، عن الحميدي فقال: لا يرى قطّ مثله، وعن مثله يسأل؟ جمع بين الفقيه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس. وكان حافظاً.
قلت: لقي حفّاظ العصر ابن عبد البرّ، وابن حزم، والخطيب، والحبّال.
وقال يحيى بن إبراهيم السّلماسي: قال أبي: لم تر عيناي مثل الحميدي في فضله ونبله وغزارة علمه وحرصه على نشر العلم. قال: وكان ورعاً تقيّاً إماماً في الحديث وعلله ورواته، متحقّقاً في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، بموافقة الكتاب والسّنة، فصيح العبارة، متبحراً في علم الأدب والعربيّة والتّرسّل. وله كتاب الجمع بين الصحيحين، وتاريخ الأندلس، وجمل تاريخ الإسلام، وكتاب الذهب المسبوك في وعظ الملوك، وكتاب في الترسّل، وكتاب مخاطبات الأصدقاء، وكتاب ما جاء من الآثار في حفظ الجار، وكتاب ذمّ النّميمة. وله شعرٌ رصينٌ في المواعظ والأمثال.
قلت: وقد جاء عن الحميدي أنّه قال: صيّرني الشهاب شهاباً. وكان