للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظفّر أحد الأطواد. حدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية، وهو يدرّس المذهب، إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب، ثم سأل الحاضرين عن سؤال من الفقه جُووِب عليه، فاعترض فيه، فقال له بعض الحُضّار: هذا العلم ليس من منتحلاتك. فقام وقعد، ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابلٌ فما كف. وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة قال فيها: أنا أتبع الحق، وأجتهد، ولا أتقيّد بمذهبٍ.

وقال الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلّى لابن حَزم، والمغني للشيخ الموفّق.

قلت: وقد امتُحن ابن حزم وشرّد عن وطنه، وجرت له أمور، وتعصّب عليه المالكية لطول لسانه ووقوعه في الفقهاء الكبار، وجرى بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات يطول شرحها. ونفرت عنه قلوب كثير من الناس لحطّه على أئمتهم وتخطئته لهم بأفجّ عبارة، وأفظ محاورة، وعملوا عليه عند ملوك الأندلس وحذّروهم منه ومن غائلته، فأقْصته الدولة وشرّدته عن بلاده، حتى انتهى إلى بادية لبلة، فتوفي بها في شعبان ليومين بقيا منه.

وقيل: توفي في قرية له.

قال أبو العباس ابن العريف: كان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان.

وقال أبو الخطاب بن دحّية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان، وأصابته زمانة، وعاش اثنتين وسبعين سنة إلا شهرا.

قال أبو بكر محمد بن طرخان بن بُلْتِكين: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي: توفي أبو محمد بن حزم بقريته، وهي على خليج البحر الأعظم، في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين. وقال لي أبو محمد ابن العربي: أخبرني أبو محمد بن حزم أن سبب تعلّمه الفقه، أنه شهد جنازة، فدخل المسجد فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قم صلِّ تحية المسجد. وكان قد بلغ ستا وعشرين سنة. قال: فقمت وركعت. فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة دخلت المسجد بادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس اجلس، ليس ذا

<<  <  ج: ص:  >  >>