المفسدين، فأجابهم: إني ما أردتُ ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في الإيقاع بهم، وراسل العبيد سرا بأن كونوا على أمركم، وقواهم بالسلاح. فاقتتلوا، وعاودوا الرسالة: إنا قد عرفنا غرضك، وإنه إهلاكُ البلد، ولوحوا بأنهم يقصدون القاهرة. فلما رآهم مستظهرين، ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكنت الفتنة.
وكان قدر ما أُحرق من مصر ثُلثها، ونُهب نصفها. وتتبع المصريون من أسر الزوجات والبنات، فاشتروهن من العبيد بعد أن زنوا بهن، حتى قتل جماعة أنفسهن من العار.
ثم زاد ظُلم الحاكم، وعن له أن يدعي الربوبية، كما فعل فرعون، فصار قومٌ من الجُهال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد، يا مُحيي يا مُميت.
وكان قد أسلم جماعةٌ من اليهود، فكانوا يقولون: إنا نريد أن نعاود ديننا، فيأذن لهم.
وأوحش أخته بمراسلات قبيحة، وأنها ترتكب الزنا. فراسلت ابن دواس الأمير، وكان متخوفا من الحاكم. ثم جاءت إليه فقبل الأرض بين يديها، فقالت: قد جئتك في أمر أحرسُ نفسي ونفسك. قال: أنا خادمك. فقالت: أنت ونحن على خطر عظيم من هذا. وقد انضاف إلى ذلك ما يظاهر به، وهتك الناموس الذي أقامه آباؤنا، وزاد به جنونه وحمل نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله، وأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا، فتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء. قال: صدقتِ، فما الرأي؟
قالت: تحلف لي وأحلف لك على الكتمان. فتحالفا على قتله وإقامة ولده مكانه، وتكون أنت مدبر دولته. قالت: فاختر لي عبدين تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما. فأحضر عبدين موصوف ن بالأمانة والشهامة. فحلفتهما ووهبتهما ألف دينار، ووقعت لهما بإقطاع، وقالت: اصعدا إلى الجبل فاكمنا له، فإن غدا يصعد الحاكم إليه وليس معه إلا الركابي وصبي، وينفردُ بنفسه. فإذا جاء فاقتلاه مع الصبي، وأعطتهما سكينتين مغربيتين.
وكان الحاكم ينظر في النجوم. فنظر مولده، وكان قد حُكم عليه بقطع في هذا الوقت، وأنه متى تجاوزه عاش نيفا وثمانين سنة.