المحجة العظمى وعقلته، وبعدت عنه بحيث أشاهده، حتى مرت قافلة، فأقاموا البعير وساقوه. فلما أصبح الناس إذا صائح ينشد الضالة، ويبذل لمن ردها مائة دينار. وإذا هما امرأتان لبعض أكابر أهل زبيد. وكانت عادة الحرة أن تمشي في الساقة، فمن نام أيقظته، وكان لها مائة بعير برسم حمل المنقطعين. وحين تنصفت الليلة الثانية تأخرت حتى مر بي محملها، فبادر الغلمان إلي وقالوا: لك حاجة؟ فقلت: الحديث مع الحرة. ففعلوا ذلك، فأخرجت رأسها من سجف الهودج. قال: فناولتها الزوجين، وبلغني أن وزنهما ألف مثقال، فقالت: ما اسمك؟ ومن تكون؟ فقد وجب حقك. فأعلمتها، وحصل لي منها جانب قوي وصورة وتقدم، وتسهيل الوصول إليها في كل وقت. وبذلك حصلت معرفة بالوزير القائد أبي محمد سرور الفاتكي. وكسبت بمعرفتها مالًا جزيلًا. وتجرت لهما بألوف من المال، ورددت إلى عدن، وحصلت لي صحبة أهل عدن وامتد هذا من سنة تسع وثلاثين إلى سنة ثمان وأربعين وقضى ذلك باتساع الحال وذهاب الصيت، حتى كان القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي عقامة الحفائلي رأس أهل العلم والأدب بزبيد يقول لي: أنت خارجي هذا الوقت وسعيده، لأنك أصحبت تعد من جملة أكابر التجار وأهل الثروة، ومن أعيان الفقهاء الذين أفتوا، ومن أفضل أهل الأدب. فأما الوجاهة عند أهل الدول، ونعمة خدك بالطيب واللباس وكثرة السراري، فوالله ما أعرف من يعشرك فيه، فهنيئًا لك.
فكأنه والله بهذا القول نعى إلي حالي وذهاب مالي، وذلك أن كتاب الداعي محمد بن سبأ صاحب عدن جاءني من ذي جبلة يستدعي وصولي إليه، فاستأذنت أهل زبيد، فأذنوا لي على غش. وكانت للداعي بيدي خمسة آلاف دينار سيرها معي أتباع له، بها أمتعة من مكة وزبيد، فلما قدمت إلى ذي جبلة وجدته قد دخل عروسًا على ابنة السلطان عبد الله. وكان جماعة من أكابر التجار والأعيان، مثل بركات ابن المقرئ، وحسن ابن الخمار، ومرجى الحراني، وعلي بن محمد النيلي، والفقيه أبي الحسن بن مهدي القائم الذي قام باليمن، وأزال دولة أهل زبيد، وكانوا قد سبقوني ولم يصلوا إلى الداعي. فلما وصلت إلى ذي جبلة كتبت إليه قول أبي الطيب:
كن حيث شئت تصل إليك ركابنا فالأرض واحدة وأنت الأوحد