فمن دونه. وكنت مريضاً، قال: ودرّس بالشّبْليّة مدّة، وبالمدرسة البَدْريّة التي قِبالة الشّبليّة. وكان فاضلاً عالماً، ظريفاً، منقطعاً، مُنكراً على أرباب الدّول ما هم عليه من المنكرَات، متواضعاً. كان يركب الحمار وينزل إلى مدرسته العزّيّة. وكان مقتصدا في لباسه، مواظباً للتّصنيف والإشغال، منصفاً لأهل الفضل، مبايناً لأولي الجبريّة والجهل، يأتي إليه الملوك زائرين وقاصدين. وفي طول زمانه في جاه عريض عند الملوك والعامّة. وكان مجلسه مُطرباً، وصوته طيّباً، رحمه الله.
قلت: وحدّثونا أنّ ابن الصّلاح رحمه الله، أراد أن يعظ، فقال له الملك الأشرف: لا تفعل، فإنّك لا تقدر أن تكون مثل شمس الدّين ابن الجَوزيّ، ودونه فما يُرضى لك. فترك الوعظ بعد أن كان قد تهيّأ له.
وقال عمر ابن الحاجب: كان بارعاً في الوعظ، كيِّس الإيراد، له صِيت في البلاد، وله يدٌ في الفقه واللّغة والعربيّة. وكان حُلو الشّمائل، كثير المحفوظ، فصيحاً، حسَن الصّوت، يُنشئ الخُطب ويحبّ الصّالحين والعزْلة، وفيه مروءة ودين. وكان يجلس يوم السّبت ويبسط النّاس لهم من بكرة الجمعة حتّى يحصل للشّخص موضع، ويحضره الأئمّة والأُمراء. ويقع كلامُه في القلوب، قرأ الأدب على أبي البقاء، والفقه على الحصيريّ، ولبس الخِرقة من عبد الوهّاب ابن سُكينة، وحظِيَ عند الملك المعظَّم إلى غاية. وكان حنبليّاً فانتقل حنفيِّا للدّنيا، ودرس وبرع وأفتى. وصنَّف مناقب أبي حنيفة في مجلّد، ومعادن الإبريز في التّفسير تسعة وعشرين مجلّداً، وشرح الجامع الكبير في مجلّدين.
قلت: ويُقال في أبيه زُغْلي بحذف القاف. وقد اختصر شيخنا قطب الدّين اليونينيّ تاريخه المسمّى بمرآة الزّمان، وذيَّل عليه إلى وقتنا هذا.
١٧٨ - أبو الحسن بن يوسف بن أبي الفوارس، القَيْمُريّ الأمير.
تقدَّم في حرف السّين من السّنة الماضية، وعرفناه بلَقَبه وهو الأمير الكبير سيف الدّين الّذي وقف المارستان بالجبل والتُّربة التي هي شماليّة.