وأربعمائة فارس، ونزلوا يريدون حصر مراكش، فحدثني جماعة أنهم نزلوا على باب أغمات بعد أن خرج إليهم المرابطون في أكثر من مائة ألف، بين فارسٍ وراجل، فخذلوا ودخلوا المدينة على أسوأ حالة، فجاء من الأندلس ابن همشك في مائة فارس، فشجع أمير المسلمين، وخرج فقاتل، فانتصر المرابطون، وقتل من المصامدة نحوٌ من أربعين ألفًا، فما سلم منهم إلا نحو أربعمائة نفس، كذا قال اليسع.
وقال ابن خلكان: حضرت ابن تومرت الوفاة، فأوصى أصحابه وشجعهم، وقال: العاقبة لكم، ومات في سنة أربعٍ وعشرين إثر الوقعة التي قتل فيها الونشريسي، ودفن بالجبل، وقبره مشهورٌ معظم، ومات كهلًا، وكان ربعةً، أسمر، عظيم الهامة، حديد النظر، مهيبًا.
وقيل فيه:
آثاره تغنيك عن أخباره حتى كأنك بالعيان تراه قدمٌ في الثرى وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون ماء المحيا، أغفل المرابطون حله وربطه حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وترك في الدنيا دويًا، وكان قوته من غزل أخته رغيفًا في كل يومٍ، بقليل سمنٍ أو زيت، ولم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، ورأى أصحابه يومًا وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من كان يبتغي الدنيا فما له عندي إلا ما أرى، ومن كان يبغي الآخرة فجزاؤه عند الله.
ومن شعره:
أخذت بأعضادهم إذ نأوا وخلفك القوم إذ ودعوا فكم أنت تنهى ولا تنتهي وتسمع وعظًا ولا تسمع فيا حجر الشحذ حتى متى تسن الحديد ولا تقطع؟ وكان يتمثل كثيرًا:
تجرد من الدنيا فإنك إنما خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد ولم يتملك شيئًا من البلاد، وإنما قرر القواعد ومهدها، وبغته الموت، وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن.