وكان البلاء شديدًا ببغداد من الحرامية وأذيتهم، ثم صلب جماعة منهم، فسكن الناس قليلًا.
وقدم السلطان بغداد، وقدم معه الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي أحد الكبار والمناظرين، قال ابن الجوزي: جالسته مدةً، وسمعت مجالسه كثيرًا، وجلس بجامع القصر، وكان يلعن الأشعري جهرًا على المنبر ويقول: كن شافعيًا ولا تكن أشعريًا، وكن حنفيًا ولا تكن معتزليًا، وكن حنبليًا ولا تكن مشبهًا، وما رأيت أعجب من الشافعية، يتركون الأصل ويتعلقون بالفرع، وكان يمدح الأئمة الأعلام، وزاد في الشطرنج بغلا، وقد جلس في رجب في دار السلطنة، وحضر السلطان مجلس وعظه، وكان قد كتب على باب النظامية اسم الأشعري، فتقدم السلطان بمحوه وكتب مكانه اسم الشافعي.
وكان أبو الفتوح الإسفراييني يجلس ويعظ في رباطه، ويتكلم على محاسن مذهب الأشعري، فتقع الخصومات، فذهب أبو الحسن الغزنوي إلى السلطان وأخبره بالفتن وقال: إن أبا الفتوح صاحب فتنة، وقد رجم ببغداد مرارًا، والصواب إخراجه، فأخرج من بغداد، وعاد الحسن بن أبي بكر النيسابوري إلى وطنه.
ويعرف الإسفراييني المذكور بابن المعتمد، واسمه محمد بن الفضل بن محمد، ولد سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة بإسفرايين، ودخل بغداد فاستوطنها.
وكان يبالغ في التعصب لمذهب الأشعري، وكانت الفتن قائمة في أيامه واللعنات في الأسواق، وكان بينه وبين الواعظ أبي الحسن الغزنوي حسدٌ وشنآن، وكان كل واحدٍ منهما ينال من الآخر على المنبر، فلما بويع الراشد بالله، وخرج عن بغداد، خرج معه أبو الفتوح إلى الموصل، فلما قتل الراشد سئل المقتفي فيه، فأذن له في العود إلى بغداد، فجاء وتكلم، واتفق مجيء الحسن بن أبي بكر النيسابوري فوعظ، ووجد الغزنوي فرصةً، فكلم السلطان في أبي الفتوح، فأصغى إليه.
وقال ابن الجوزي: بلغني أن السلطان قال للحسن النيسابوري: تقلد