ونساؤهم، إلا من شاء الله منهم. ولقد أتينا معه على دير فيه رهبان، فتلقاه منهم راهبان، فلما وصلا إلى الشيخ كشفا رأسيهما وقبلا رجليه وقالا: ادع لنا، فما نحن إلا في بركاتك، وأخرجا طبقًا فيه خبز وعسل فأكل الجماعة. وأول مرة خرجت إلى زيارته مع طائفة، فلما أقبلنا أخذ يحادثنا ويسائل الجماعة ويؤانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة، ونحن ينزل علينا شيء مثل البرد. ثم قال: الرحمة. فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسًا، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: أهل السنة والصيت الحنابلة. وسمعت شخصًا يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق؟ فقال: لا يا أخي، دين مكتوم دين ميشوم. وكان يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئًا قط. فلما بلغه ذلك أخذ شيئًا، وأكله بحضرة الناس. واشتهر عنه من الرياضات، والسير، والكرامات، والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثة. ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام، حتى آذوه مما يقبلون يده فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك، بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤيةً، فكانوا يسلمون عليه وينصرفون. ثم رجع إلى زاويته فمات على أحسن حالاته.
وقال القاضي ابن خلكان: أصله من قرية بيت فار من بلاد بعلبك، والبيت الذي ولد فيه من بيت فار يزار إلى اليوم. وتوجه إلى جبل الهكارية من أعمال الموصل، وانقطع فيه، وبنى له هناك زاوية، ومال إليه أهل البلاد ميلًا لم يسمع بمثله، وساد ذكره في الآفاق، وتبعه خلق، وجاوز اعتقادهم فيه الحد حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها. صحب الشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حمادًا الدباس، وغيرهما، وقبر بزاويته، وقبره من كبار المزارات عندهم. وعاش تسعين سنة. وتوفي سنة سبع، وقيل: سنة خمس وخمسين.
قلت: قرأت بخط الحافظ الضياء: سمعت الشيخ نصر يقول: قدم الشيخ