ومنهم ملك الألمان في جموع جماهيرها مجمهرة وأموالها مقنطرة. وإن اللَّه سبحانه وتعالى قد قصم طاغية الألمان، وأخذه أخذ فرعون بالإغراق في نهر الدنيا، وإنهم لو أرسل اللَّه عليهم أسطولًا قويًا مستعدًا يقطع بحره، ويمنع ملكه، لأخذنا العدو بالجوع والحصر، أو القتال والنصر. فإن كانت بالجانب الغربي الأساطيل ميسرة، والرجال في اللقاء فارهة غير كارهة، فالبدار البدار، وأنت أيها الأمير أول من استخار اللَّه وسار، وما رأينا أهلًا لخطابنا، ولا كفؤًا لإنجادنا، إلاّ ذلك الجناب، فلم ندعه إلا لواجب عليه. فقد كانت تتوقع منه همة تقدُ في الغرب نارها، ويستطير في الشرق سناؤها، ويغرس في العُدوة القصوى شجرتها، فينال من في العُدْوة الدنيا جناها، فلا ترضى همته أن يعين الكفر الكفر، ولا يعين الإسلام الإسلام. واختص بالاستعانة لأن العدو جاره، والجار أقدر على الجار، وأهل الجنة أولى بقتال أهل النار. ولأنه بحر والنجدة بحرية، ولا غرو أن تجيش البحار، وإن ذكر ما فعل بوزبا وقراقوش في أطراف المغرب، فيعرفه أنهما ليسا من وجوه الأمراء، ولا من المعدودين في الطواشية والأولياء، وإنما كسدت سوقهما، وتبعتهما ألفافٌ أمثالهما. والعادة جارية أنّ العساكر إذ طالت ذيولها وكثرت جُموعها، خرج منها وانضاف إليها، فلا يظهر مزيدها ولا نقصها. ولا كان هذان المملوكان ممن إذا غاب أحضر ولا إذا فقد افتقد، ولا يُقدر في مثلهما أنهما ممن يستطيع نكايةً، ولا يأتي بما يوجب شكوى من جناية. ومعاذ اللَّه أن نأمر مفسدًا يفسد في الأرض. والله يوفق الأمير، ويهدي دليله، ويسهل سبيله. وكتب في شعبان سنة ست وثمانين.
وأما الكتاب إلى صاحب المغرب فعنوانه: بلاغ إلى محل التقوى الطاهر من الذَّنب، ومستقر حزب اللَّه الظاهر من الغرب، أعلا اللَّه به كلمة الإيمان، ورفع به منار الإحسان، وأوّله: بسم الله الرحمن الرحيم، الفقير إلى رحمة ربه يوسف بن أيوب، أما بعد، فالحمد لله الماضي المشيّة المُمضي القضية، البرُّ بالبرية، الحفي بالحنيفية، الذي استعمل عليها من استعمر به الأرض، وأغنى من أهلها من سأله القرض، وآجر من أجرى على يده النافلة