وكان أحمد بن طولون أراد بكارا على لعن الموفق فامتنع، فسجنه إلى أن مات أحمد، فأطلق بكار، وبقي يسيرا ومات، فغسل ليلا، وكثر الناس فلم يدفن إلى العصر.
قلت: وكان القاضي بكار عظيم الحرمة كبير الشأن، كان ينزل السلطان ويحضر مجالسه، فذكر الطحاوي قال: استعظم بكار بن قتيبة فسخ حكم الحارث بن مسكين في قضية ابن السائح، يعني لما حكم عليه الحارث وأخرج من يده دار الفيل، وتوجه ابن السائح إلى العراق بغوث على الحارث.
قال الطحاوي: وكان الحارث إنما حكم فيها على مذهب أهل المدينة، فلم يزل يونس بن عبد الأعلى يكلم بكار ويجسره حتى جسر ورد إلى ابني السائح ما كان أخذ منهما.
قال الطحاوي: ولا أحصي كم كان أحمد بن طولون يجيء إلى مجلس بكار وهو على الحديث، ومجلسه مملوء بالناس، ويتقدم الحاجب ويقول: لا يتغير أحد من مكانه، فما يشعر بكار إلا وابن طولون إلى جانبه، فيقول: أيها الأمير، ألا تركتني كنت أقضي حقك وأقوم. ثم فسد الحال بينهما حتى حبسه، وفعل به ما فعل. وقيل: إنه صنف كتابا نقض فيه على الشافعي رده على أبي حنيفة. وكان يأنس بيونس بن عبد الأعلى ويسأله عن أهل مصر وعدولهم، ولما حبسه ابن طولون لم يمكنه أن يعزله، لأن القضاء لم يكن أمره إليه، وقيل: إن بكارا كان يشاور في حكمه وأمره يونس بن عبد الأعلى والرجل الصالح موسى بن عبد الرحمن بن القاسم، فبلغنا أن موسى سأله: من أين المعيشة؟ قال: من وقف لأبي أتكفى به. فقال: أريد أن أسألك يا أبا بكرة؛ هل ركبك دين بالبصرة؟ قال: لا. قال: فهل لك ولد أو زوجة؟ قال: ما نكحت قط، وما عندي سوى غلامي. قال: فأكرهك السلطان على القضاء؟ قال: لا. قال: فضربت آباط الإبل لغير حاجة إلا لتلي الدماء والفروج؟ لله علي لا عدت إليك. فقال بكار: أقلني يا أبا هارون. قال: أنت ابتدأت بمسألتي. ثم انصرف عنه ولم يعد إليه. وقال