القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النَّضريّ المروزيّ قاضي نسف صلب المذهب، فلمّا دخل سبكتكين صاحب غزنة بَلخ دعاهم إلى مناظرة الكرامية وكان النَّضري يومئذ قاضيا ببلخ، فقال سبكتكين: ما تقولون في هؤلاء الزهاد الأولياء؟ فقال النضريّ: هؤلاء عندنا كفرة. فقال: ما تقولون فيَّ؟ قال: إن كنت تعتقد مذهبهم فقولنا فيك كقولنا فيهم. فوثب من مجلسه وجعل يضربهم بالطبرزين حتّى أدماهم، وشج القاضي، وأمر بهم فحبسوا وقيدوا. ثم خاف الملامة فأطلقهم.
ثم إنّه مرض ببلخ، فاشتاق إلى غزنة، فسافر إليها ومات في الطريق في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وجعل وليّ عهده ولده إسماعيل.
وكان محمود غائبا ببلخ، فلمّا بلغه نعي أبيه كتب إلى أخيه ولاطفه على أن يكون بغزنة، وأن يكون محمود بخراسان. فلم يوافقه إسماعيل، وكان في إسماعيل رخاوة وعدم شهامة، فطمع فيه الجند وشغّبوا عليه، وطالبوه بالعطاء، فأنفق فيهم الخزائن.
فدعا محمود عمّه إلى موافقته، فأجابه، وكان الأخ الثالث نصر بن سبكتكين أميرا على بست، فكاتبه محمود فأجابه فقوي بعمّه وبأخيه، وقصد غزنة في جيش عظيم، وحاصرها إلى أن افتتحها بعد أن عمل هو وأخوه مصّافّا هائلا، وقتل خلقٌ من الجيش، وانهزم أخوه إسماعيل وتحصن. فنازل حينئذ محمود البلد، وأنزل أخاه من قلعتها بالأمان. ثم رجع إلى بلخ، وحبس أخاه ببعض الحصون حبسا خفيفا، ووسع عليه الدّنيا والخدم.
وكان في خراسان نوابٌ لصاحب ما وراء النهر من الملوك السامانية، فحاربهم محمود ونصر عليهم، واستولى على ممالك خراسان، وانقطعت الدولة السامانية في سنة تسع وثمانين. فسير إليه القادر بالله أمير المؤمنين خلعة السلطنة.
وعظم ملكه، وفرض على نفسه كل عام غزو الهند، فافتتح منها بلادا واسعة، وكسر الصنم المعروف بسومنات، وكانوا يعتقدون أنّه يحيى ويميت، ويقصدونه من البلاد، وافتتن به أمم لا يحصيهم إلاّ الله. ولم يبق ملك ولا محتشم إلاّ وقد قرَّب له قربانا من نفيس ماله، حتّى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانته من أصناف الأموال والجواهر، وكان في خدمة هذا الصنم ألف رجل من البراهمة يخدمونه، وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس