للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٩٩ - تورانشاه، الملك المعظّم شمس الدولة بن أيوب بن شاذي، أخو صلاح الدين والسلطان سيف الدين (١)، وكان يلقب أيضًا بفخر الدين.

وكان أسنّ من صلاح الدين، فكان يحترمه ويرجّحه على نفسه. وسيّره سنة ثمان وستين إلى بلاد النوبة ليفتحها، فلما قدمها وجدها لا تساوي التعب، فرجع بغنائم كثيرة ورقيق. ثم أرسله إلى اليمن، وبها عبد النبي بن مهدي قد استولى على أكثر اليمن. فقدمها تورانشاه، وظفر بعبد النبي وقتله، وملك معظم اليمن. وكان سخيًّا جوادًا.

ثم إنه قدم دمشق في آخر سنة إحدى وسبعين، وقد تمهّدت له مملكة اليمن، لكنه كره المقام بها، وحن إلى الشام وثماره. وكان قد جاءه رسول من أخيه صلاح الدين يرغّبه في المقام باليمن، فلما أدى الرسالة طلب ألف دينار، وقال لغلام له: امض إلى السوق واشتر لي بها قطعة ثلج. فقال: ومن أين هنا الثلج؟ فقال: فاشتر بها طبق مشمش، فقال: ومن أين يوجد ذلك؟ فأخذ يذكر له أنواع الفواكه، والغلام يقول ما يوجد. فقال للرسول: ليت شعري، ما أصنع بالأموال إذا لم أنتفع بها في شهوتي؟! ورجع الرسول فأذن له السلطان في القدوم. وقد كتب له بإنشاء القاضي الفاضل:

لا تضجرن مما أبث فإنه … صدرٌ لأسرار الصبابة ينَفِثُ

أما فِراقُكَ واللقاءُ فإن ذا … منهُ أمُوتُ وذا منه أبعَثُ

حَلَف الزمان على تفرق شَمِلنا … فمتَى يرق لنا الزمان ويَحْنَثُ؟

حول المضاجع كتبُكُم فكأنني … مَلْسُوعُكُمْ وهي الرقاةُ النفثُ

كم يَلْبَثُ الجسمُ الَّذِي ما نفسُهُ … فِيهِ وَلَا أنفاسُهُ كم يلبث

فلما قدم دمشق استنابه صلاح الدين لما رجع إلى مِصْر. ثم انتقل تورانشاه إلى مِصْر سنة أربعٍ وسبعين.

وكانت وفاته بالإسكندرية فِي صَفَر سنة ست، فنقلته شقيقته ست الشام فدفنته فِي مدرستها.

وذكر المهذب محمد بن علي ابن الخيمي الحلي الأديب قَالَ: رَأَيْت


(١) يعني: العادل.