نصف الليل وصل إلى ظاهر دمشق المنهزمون من الميسرة أمراء وأجناد، ولم يعلموا بما تجدد من النصر، فقلق الخلق، وماج البلد وشرع خلق في الهروب. ثم وصل وقت الفجر بريدي بالبشارة بعد أن قاسى الخلق ليلة شديدة وتودعوا من أولادهم واستسلموا للموت، فإن أولئك التتار كانوا يبذلون السيف من غير تردد. ورأسهم كافر وأكثرهم على الكفر، فلله الحمد على السلامة. وكان للصبيان والنسوان في تلك الليلة في الأسطحة ضجيج عظيم وبكاء والتجاء إلى الله تعالى لا يعبر عنه.
وكان ركن الدين الجالق من جملة المنهزمين ولم يعنفه السلطان لأنه رأى ما لا قبل له به. فلما صليت الصبح قرئ الكتاب السلطاني بكسرة التتار وأنهم كانوا مائة ألف أو يزيدون. ثم جاء كتاب آخر قبل الظهر في المعنى وزينت دمشق. واستشهد نحو مائتي فارس منهم الحاج أزدمر، وسيف الدين الرومي، وشهاب الدين توتل الشهرزوري، وناصر الدين ابن جمال الدين الكاملي، وعز الدين ابن النصرة المشهور بالقوة المفرطة والعرامة.
ودخل السلطان دمشق يوم الجمعة المقبلة وبين يدي موكبه أسرى التتار يحملون رماحا على شعف القتلى، وقدم في خدمته ممن كان انضم إلى سنقر الأشقر أيتمش السعدي، وسيف الدين بلبان الهاروني، وعلم الدين الدواداري وودعه سنقر الأشقر من حمص وعاد إلى صهيون، وترحل أولئك الذين نازلوا الرحبة.
ثم قدم بعد جمعة بدر الدين الأيدمري وقد أنكى في التتار، وتبعهم إلى قريب الفرات، وهلك منهم خلق عند تعديتهم الفرات، ونزل إليهم أهل البيرة، فقتلوا فيهم وأسروا، وتمزقوا وتعثروا، وتوصلوا إلى بلادهم في أسوأ حال، فلله الحمد على كل حال.
ودخل السلطان إلى القاهرة يوم الأحد ثاني شعبان، فوصل في عشرين يوما إلى القاهرة.