وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين، ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام، ولم يتفق له أن يروي، ولم يعقب إلا البنات.
وكان له من الأسباب إرثًا وكسبًا ما يقوم بكفايته، وقد عرضت عليه أموال فما قبلها.
ومما كان يعترض به عليه، وقوع خلل من جهة النحو يقع في أثناء كلامه، وروجع فيه، فأنصف من نفسه، واعترف بأنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي تعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.
ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب كيمياء السعادة والعلوم، وشرح بعض الصور والمسائل، بحيث لا يوافق مراسم الشرع، وظواهر ما عليه قواعد الإسلام، وكان الأولى به، والحق أحق ما يقال، ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا أشياء من ذلك تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة، ومصرحًا بها، متفرقة، وليس لفظ منه إلا وكما يشعر أحد وجوهه بكلام موهوم، فإنه يشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب إذًا حمله إلا على ما يوافق، ولا ينبغي أن يتعلق به في الرد عليه متعلق، إذا أمكنه أن يبين له وجهًا، وكان الأولى به أن يترك الإفصاح بذلك كما تقدم.
وقد سمعت أنه سمع من سنن أبي داود، عن القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي، وسمع من أبي عبد الله محمد بن أحمد الخواري، مع ابنيه الشيخين: عبد الجبار، وعبد الحميد، كتاب المولد لابن أبي عاصم، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحارث، عن أبي الشيخ، عنه.
قلت: ما نقم عبد الغافر على أبي حامد من تلك الألفاظ التي في كيمياء السعادة فلأبي حامد أمثاله في بعض تواليفه، حتى قال فيه، أظنه تلميذه ابن