وحضر شاعر مائدة أكبر أُمرائهم فرمى لُقمةً للهرّ، فقال الأمير: لا تُطعمها فإنها هرَّة جيراننا.
ومن غرائب الظُّلم أنّ رجلًا جاء بحِمْل عسل، فأُخِذ للخوشخاناه، فطولب بمكس العسل، فقال: خذوا من تحت أيديكم. قالوا: ما نعرف ما تقول، فذهب بالبغل يبيعه، فأخذه أمير الإصطبل، وطولب بحقه في السوق فقال: ادفعوا لي ثمنه وخذوا حقكم. قالوا: ما نعلم ما تقول، وحبسوه على مكْسه، فكتب إلى أهله، نفِّذوا لي دراهم حتى أستفِكَّ روحي، فقد راح العسل والبغل، وأنا محبوس على الحق، ومما يناسب هذه الحكاية أنّ امرأةًَ ذهب منها حُلِيٌّ بخمسة آلاف فوجده منادي بسوق الرّحبة فردَّه عليها، فوهبته خمسمائة درهم فتمنَّع وقال: إنما ردَدْته لله، فألزمته فأخذ الدراهم، فسمع به الوالي فأحضره وأخذ منه الدّراهم وضربه وقال: ليش ما جبت الحُليِّ إلى عندنا؟ ثم ذكر علاكًا طويلًا في هذا النحو.
وفي سنة خمس سار هولاكو من هَمَذان قاصدًا بغداد، فأشار ابن العلْقَميّ الوزير على الخليفة ببذل الأموال والتُّحف النّفيسة إليه، فثناه عن ذلك الدُّوّيْدار وغيره، وقالوا: غرضُ الوزير إصلاح حاله مع هولاكو. فأصغى إليهم وبعث هديّة قليلة مع عبد الله ابن الجوزيّ، فتنمّر هولاكو وبعث يطلب الدُّوَيْدار وابن الدُّوَيْدار وسليمان شاه فما راحوا، وأقبلت المُغُل كاللّيل المظلم، وكان الخليفة قد أهمل حال الجُند وتعثّروا وافتقروا، وقُطعت أخبازهم، ونُظِم الشِّعْر في ذلك.
[سنة ست وخمسين وستمائة]
دخَلَتْ والملك الناصر والبحريّة، والملك المغيث متّفقون على قصْد الديار المصرية وطمعوا فيها لأنّ سلطانها صبيّ، فنزل الملك المغيث على غزة فخرج الأمير سيف الدّين قطز بعسكر مصر، ونزل بالعبّاسة لقتال الشاميين، ثم