لم يكن يقبل من السلطان، ولا من غيره، ومن ولي من معارفه وأقاربه لا يكلمه، وقد ولي أخوه عمر المدينة وكرمان واليمامة، فهجره حتى مات. ما أدركت بالمدينة رجلا أهيب عند السلطان والعامة منه، وكان ابن المبارك يصله فيقبل منه.
قال: وقدم الكوفة يريد أن يخوف الرشيد بالله، فرجفت لقدومه الدولة، حتى لو كان نزل بهم مائة ألف من العدو، ما زاد من هيبته، فرجع من الكوفة، ولم يصل إليه.
قال يحيى بن أيوب العابد: حدثني بعض أصحابنا قال: كتب مالك بن أنس إلى العمري: إنك بدوت، فلو كنت عند مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكتب إليه: إني أكره مجاورة مثلك، إن الله لم يرك متغير الوجه فيه ساعة قط.
وقيل: كانت أم العمري أنصارية.
وكان زاهدا، قوالا بالحق، متألها، متعبدا، منعزلا بناحية غربي المدينة.
ويروى أن العمري كان يلزم المقبرة كثيرا، ومعه كتاب ينظر فيه، فقال: ليس شيء أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب.
عمر بن شبة، حدثنا أبو يحيى الزهري قال: قال عبد الله بن عبد العزيز عند موته: بنعمة ربي أحدث، لو أن الدنيا تحت قدمي ما يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي، ما أزلتها، إني لم أصبح أملك إلا سبعة دراهم من لحا شجر فتلته بيدي.
قال المسيب بن واضح: سمعت العمري الزاهد بمسجد منى يشير بيده، ويقول:
لله در ذوي العقول والحرص في طلب الفضول سلاب أكسية الأرامل واليتامى، والكهول والجامعين المكثرين من الجباية، والغلول وضعوا عقولهم من الدنيا بمدرجة السيول ولهوا بأطراف الفروع وأغفلوا علم الأصول وتتبعوا جمع الحطام وفارقوا أثر الرسول ولقد رأوا غيلان ريب الدهر غولا بعد غول