وحضر الملك المظفَّر تقيّ الدّين فحمل إليها أحمالًا من ماء الورد فغسلها بها، وكنس ساحاتها بيده، وغسل جدرانها، ثم بخَّرها بالطِّيب، وحضر الملك الأفضل ابن السّلطان ففرش فيها بُسطًا نفيسة، ورتب الأئمة والمؤذنين والقُوَّام. ثم عين السّلطان كنيسة صندجية وصيَّرها مدرسةً للشافعية ووقف عليها وقوفًا جليلة. وقرَّر دار البترك الأعظم رباطًا للفقراء، ومحا آثار النصرانية، وأمر بإغلاق كنيسة قُمامة، ومنع النصارى من ريادتها. ثم تقرر بعدُ على من زارها ضريبة تؤخذ منه.
ولما افتتح عمر بيت المقدس أقرَّ هذه الكنيسة ولم يهدمها، ولهذا أبقاها السّلطان.
وللنَّسَّابة محمد بن أسعد الجواني نقيب الأشراف بمصر:
أتُرى منامًا ما بعيني أُبصرُ القدس يُفتح والنصارى تكسرُ؟ وقمامة قمت من الرجس الذي بزواله وزوالها يتطهَّرُ ومليكهم في القيد مصفودٌ ولم يُرَ قبل ذاك لهم مليك يؤسَرُ قد جاء نصر اللَّه والفتحُ الذي وعد الرسولُ فسبّحوا واستغفروا يا يوسف الصديق أنت بفتحها فاروقها عمر الإمام الأطهرُ قال أبو المظفر ابن الجوزي: ولمّا افتتح السّلطان عكّا راح إلى تِبنين فتسلمها بالأمان، وتسلَّم صيدا، وبيروت، وجُبيل، وغزة، والداروم، والرملة، وبينا، وبيت جبريل، وبلد الخليل، ونازل عسقلان فقُتل عليها حسام الدّين ابن المهراني ثم تسلمها. فكان مدة استيلاء الفرنج عليها خمسًا وثلاثين سنة، إلى أن قال: ملك السّلطان هذه الأماكن في أربعين يومًا أولها ثامن عشر جمادى الأولى، ثم نازل القدس، إلى أن قال: وخلّص من الأسر بعكا أربعة آلاف، ومن القدس ثلاثة آلاف، فلله الحمد.
وقال ابن الأثير: سار السّلطان عن بيروت نحو عسقلان، واجتمع بأخيه العادل سيف الدين، ونازلوها في سادس جُمادى الآخرة، وزحفوا عليها مرةً بعد أخرى، وأُخذت بالأمان في سلخ الشهر وسار أهلها إلى بيت