فإنه لو كان مقتديا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه، وأنه بعد صبي يحتاج إلى أن يعلم. وقد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن، فجمجم عنها ولجلج فيها حتى دعا له أمير المؤمنين بالسيف، فأقر ذميما، فأنصصه عن إقراره، فإن كان مقيما عليه فأشهر ذلك وأظهره. ومن لم يرجع عن شركه ممن سميت بعد بشر، وابن المهدي، فاحملهم موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم، فإن لم يرجعوا حملهم على السيف.
قال: فأجابوا كلهم عند ذلك، إلا أحمد بن حنبل، وسجادة، ومحمد بن نوح، والقواريري، فأمر بهم إسحاق فقيدوا، ثم سألهم من الغد وهم في القيود فأجاب سجادة، ثم عاودهم ثالثا فأجاب القواريري، ووجه بأحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح المضروب إلى طرسوس، ثم بلغ المأمون أنهم إنما أجابوا مكرهين، فغضب وأمر بإحضارهم إليه، فلما صاروا إلى الرقة تلقتهم وفاة المأمون، وكذا جاء الخبر بموت المأمون إلى أحمد، ولطف الله وفرج. وأما محمد بن نوح فكان عديلا لأحمد بن حنبل في المحمل، فمات، فوليه أحمد بالرحبة وصلى عليه ودفنه رحمه الله تعالى.
وأما المأمون فمرض بالروم، فلما اشتد مرضه طلب ابنه العباس ليقدم عليه، وهو يظن أنه لا يدركه، فأتاه وهو مجهود، وقد نفذت الكتب إلى البلدان فيها: من عبد الله المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده بهذا النص. فقيل: إن ذلك وقع بأمر المأمون، وقيل: بل كتبوا ذلك وقت غشيٍ أصابه، فأقام العباس عنده أياما حتى مات.
ذكر وصية المأمون
هذا ما أشهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أن الله وحده لا شريك له في ملكه، وأنه خالق وما سواه مخلوق. ولا يخلو القرآن من أن يكون شيئا له مثل، والله لا مثل له إلى أن قال: والبعث حق، وإني مذنب أرجو وأخاف، فإذا مت فوجهوني وليصل علي أقربكم مني نسبا، وليكبر خمسا، وذكر وصايا