فحاصراها أربعة أشهر حتى أكل أهلها دوابهم ثم سلموها بالأمان، فهدمها البساسيري وعفى أثرها، وسار طغرلبك جريدة في ألفين إلى الموصل، فوجد البساسيري وقريشا قد فارقاها، فساق وراءهم، ففارقه أخوه وطلب همذان، فوصلها في رمضان.
قال: وقد قيل إن المصريين كاتبوه، وأن البساسيري استماله وأطمعه في السلطنة، فسار طغرلبك في أثره.
قال: وأما البساسيري فوصل إلى بغداد في ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة فارس على غاية الضر والفقر، فنزل بمشرعة الروايا، ونزل قريش في مائتي فارس عند مشرعة باب البصرة، ومالت العامة إلى البساسيري، أما الشيعة فللمذهب، وأما السنة فلما فعل بهم الأتراك.
وكان رئيس الرؤساء لقلة معرفته بالحرب، ولما عنده من البساسيري يرى المبادرة إلى الحرب. فاتفق أن في بعض الأيام التي تحاربوا فيها حضر القاضي الهمذاني عند رئيس الرؤساء، ثم استأذن في الحرب وضمن له قتل البساسيري من غير أن يعلم عميد العراق، وكان رأي عميد العراق المطاولة رجاء أن ينجدهم طغرلبك. فخرج الهمذاني بالهاشميين والخدم والعوام إلى الحلبة وأبعدوا، والبساسيري يستجرهم، فلما أبعدوا حمل عليهم، فانهزموا وقتل جماعة وهلك آخرون في الزحمة، ووقع النهب بباب الأزج.
وكان رئيس الرؤساء واقفا، فدخل داره وهرب كل من في الحريم، ولطم العميد على وجهه كيف استبد رئيس الرؤساء بالأمر ولا معرفة له بالحرب. فاستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم، فلم يرعهم إلا والزعقات، وقد نهب الحريم، ودخلوا من باب النوبي، فركب الخليفة لابسا السواد، وعلى كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف، وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة فرأى النهب إلى باب الفردوس من داره. فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش، فعاد وصعد إلى المنظرة، وصاح رئيس الرؤساء: يا علم الدين يعني قريشا، أمير المؤمنين يستدنيك، فدنا منه، فقال: قد أنالك الله منزلة لم ينلها أمثالك، أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأصحابه بذمام الله وذمام رسوله وذمام