قلت: كان الشيخ رضي الله عنه عديم النظير، بعيد الصيت، رأسا في العلم والعمل، جمع الشيخ نور الدين الشطنوفي المقرئ كتابا حافلا في سيرته وأخباره في ثلاث مجلدات، أتى فيه بالبرة وأذن الجرة، وبالصحيح والواهي والمكذوب، فإنه كتب فيه حكايات عن قوم لا صدق لهم، كما حكوا أن الشيخ مشى في الهواء من منبره ثلاث عشرة خطوة في المجلس، ومنها أن الشيخ وعظ، فلم يتحرك أحد فقال: أنتم لا تتحركون ولا تطربون، يا قناديل اطربي. قال: فتحركت القناديل، ورقصت الأطباق.
وفي الجملة فكراماته متواترة جمة، ولم يخلف بعده مثله.
توفي في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وله تسعون سنة، وشيعه خلق لا يحصون.
قال الجبائي: كان الشيخ عبد القادر يقول: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك.
٢٤ - عبد العزيز بن علي بن محمد بن سلمة، أبو الأصبغ ابن الطحان الأندلسي السماني الإشبيلي المقرئ المجود، ويكنى أبا حميد أيضا.
ولد سنة ثمان وتسعين وأربعمائة بإشبيلية، وأخذ القراءات عن أبي العباس بن عيشون، وأبي الحسن شريح، وروى عنهما، وعن أبي عبد الله بن عبد الرزاق الكلبي، ويحيى بن سعادة، وأحمد بن بقاء صاحب أبي علي بن سكرة، وروى مصنف النسائي، عن أبي مروان بن مسرة، وروى أيضا عن جعفر ابن مكي.
وانتقل بأخرة إلى مدينة فاس، ثم حج ودخل إلى العراق، ثم إلى الشام.
وقرأ بواسط القراءات أيضا، وأقرأها، وكان بارعا في معرفتها وتعليلها وله مصنف في الوقف والابتداء.
قال أبو عبد الله ابن الأبار: حج، وسمع منه، وجل قدره، وصنف تصانيف، وكان أستاذا ماهرا في القراءات، روى عنه عبد الحق الإشبيلي، وعلي بن يونس، وأجاز لشيخنا أبي القاسم بن بقي، وكانت رحلته سنة أربع وخمسين.