فدعا الرشيد يحيى، وقد بلغته الرسالة، فقال: تعرف محمد بن الليث؟ قال: نعم، هو متهم على الإسلام، فأمر بابن الليث فوضع في المطبق دهرا، فلما تنكر الرشيد للبرامكة أمر بإخراجه فأحضره، وقال له: أتحبني؟ قال: لا، والله، قال: أتقول هذا؟ قال: نعم، وضعت في رجلي الأكبال، وحلت بيني وبين عيالي بلا ذنب سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله، فأطلقه ثم قال: أتحبني؟ قال: لا، ولكن قد ذهب ما في قلبي، فأمر له بمائة ألف، ثم قال: أتحبني؟ قال: نعم، قد أحسنت إلي، فقال: انتقم الله ممن ظلمك، وأخذ لك ممن بعثني عليك.
قال: فقال الناس في البرامكة فأكثروا. وقيل: إن يحيى بن خالد دخل بعد على الرشيد، فقام الغلمان له، وقال الرشيد لمسرور: مرهم لا يقومون، قال: فدخل، فما قام أحد فاربد لون يحيى.
وقيل: إن سبب قتل جعفر أن الرشيد سلم له يحيى بن عبد الله بن حسن، فرق له بعد قليل وأطلقه.
وكان ابن حسن مربوعا، أجلح، بطينا، حسن العينين، فأتى رجل بصفته وهيئته إلى الرشيد، وأنه رآه بحلوان، فأعطى الرجل جائزة.
وقيل: إن جعفر بنى دارا أنفق عليها عشرين ألف ألف درهم فأسرف.
وعن موسى بن يحيى بن خالد قال: اعتمر أبي في العام الذي نكب فيه وأنا معه، فتعلق بأستار الكعبة، وجعل يقول: اللهم ذنوبي عظيمة لا يحصيها غيرك، إن كنت معاقبي فاجعل عقوبتي في الدنيا، وإن أحاط ذلك بسمعي، وبصري، ومالي، وولدي حتى أبلغ رضاك، ولا تجعل عقوبتي في الآخرة، وكان موسى هذا أحد الأبطال الموصوفين، فقيل: إن علي بن عيسى بن ماهان قدح فيه عند الرشيد، وأعلمه طاعة أهل خراسان له ومحبتهم إياه، وأنه يكاتبهم ويعمل على الذهاب إليهم، فاستوحش الرشيد منه.
ثم ركب موسى دين فاستتر من الغرماء، فتوهم الرشيد أنه سار إلى خراسان، ثم ظهر فحبسه، فكان ذلك أول نكبتهم، فأتت زوجة يحيى بن خالد إلى الرشيد ولاطفته، فقال: يضمنه أبوه، فضمنه يحيى.