قال: كنت بالرملة في سنة ست وخمسين، فقدمها أبو علي القرمطي القصير الثياب، يعني الذي تملك الشام، فقربني، فكنت ليلة عنده، فقال بديها:
ومجدولة مثل صدر القناة تعرت وباطنها مكتسي
لها مقلة هي روح لها وتاج على هيئة البرنس
إذا غازلتها الصبا حركت لسانا من الذهب الأملس
فنحن من النور في أسعد وتلك من النار في أنحس
وفي المجلس أبو نصر بن كشاجم، فقبل الأرض وزاد فيها:
وليلتنا هذه ليلة تشاكل أشكال أقليدس
فيا ربة العود غني الغنا ويا حامل الكأس لا تحبس
وفيها دخلت الخراسانية فغزوا بلد ابن مسلمة وخرجوا بالسلامة والغنائم، وتضور أهل نصيبّين إلى ناصر الدولة بمصادرة العمّال، فأزال ضررهم وردّ إليهم كثيراً من أموالهم، حتى قيل: إنّه قال لهم: قد أبحت لكم دماء من ظلمكم.
وفيها رجع غزاة خراسان إلى بلادهم، ودخل سيف الدولة إلى حلب ومعه قوم من الخراسانية. ومعهم فيل، فمات الفيل بعد أيام، فاتّهموا أنّ النّصارى سمّته.
ومات سيف الدولة في صفر، وبعث بتابوته إلى عند قبر أمه. وكان تقى مولى سيف الدولة أكبر الأمراء، وكان قد أخذ من أنطاكية مالاً كثيراً، حتى ضجّ الناس منه، وشكوه إلى قرغوية الحاجب نائب حلب، فأحب أن يبعده عن الشام، فرفق به حتى جاء إلى حلب، ونفّذه مع التابوت المذكور في سبعمائة فارس وراجل، وقال له: أقم بديار بكر، فإنّها مملكة مفتقرة إلى مثلك.
وأجمع رأي أبي المعالي ابن سيف الدولة على المجيء إلى حلب، فلما وافى تقى بالتابوت إلى ميافارقين، خرج أبو المعالي منها لتلقّيه، فصعب على تقى، كون القاضي وابن سهل الكاتب وابن جلبة لم يترجّلوا له، فلمّا نزل قبض عليهم، فاضطرب لذلك البلد، فجهّزت والدة أبي المعالي إلى كبار الغلمان ولاطفتهم ففرّقتهم عن تقى، وقالوا: ما جئنا لنخرق بابن مولانا ولا لنقاتله، واجتمعوا على مخالفة تقى، فلما أحسّ بذلك سار في حاشيته إلى ناحية أرزن، فلم يمكنه عبور النهر لزيادته، فرجع وتذلّل، فقبض عليه أبو المعالي وقيّده واعتقله بحصن كافا، وأخذ منه سبعة وعشرين ألف دينار وثلاثمائة ألف درهم كانت معه.