للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وكان عبد المؤمن مؤثرًا لأهل العلم، محبًا لهم، يستدعيهم من البلاد، ويجزل لهم الصلات، وينوه بهم.

قال: وتسمى المصامدة بالموحدين، لأجل خوض ابن تومرت بهم في علم الاعتقاد. وكان عبد المؤمن في نفسه كامل السؤدد، خليقًا للإمارة، سري الهمة، لا يرضى إلا بمعالي الأمور، كأنه ورث الملك كابرًا عن كابر، وكان شديد السطوة، عظيم الهيبة.

قال عزيز في تاريخه: أخبرني رجل من أهل المهدية سنة إحدى وخمسين وخمس مائة بصقلية، قال: افتتح عبد المؤمن بجاية، فأتيتها بأحمال لنبتاع، فلما كنا على مرحلة منها سرقت لي شدة من المتاع، فدخلت وبعت المتاع، وأفدت منه فائدة يسيرة. فقلت لتاجر: سرقت لي شدة، وأخلف الله علي في الباقي. فقال: وما أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين عبد المؤمن؟ قلت: لا. قال: والله إن علم بك للحقك ضرر. فرحت إلى القصر، فأدخلني خادم عليه، فأعلمته ورجعت. فلما كان صبيحة اليوم الثالث جاءني غلام فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت معه، فإذا جماعة كبيرة، والمصامدة محيطة بهم، فقال الغلام لي: هؤلاء أهل الصقع الذي أخذ رحلك فيه. فدخلت وأجلست بين يديه، فاستدعى مشايخهم، وقال: كم صلح لك في الشدة التي فقدت أختها؟ قلت: كذا وكذا. فأمر من وزن لي المبلغ وقال: قم، أنت أخذت حقك، وبقي حقي وحق الله. وأمر بإخراج المشايخ، وبقتل الجميع، فأقبلوا يتضرعون ويبكون وقالوا: يؤاخذ سيدنا الصلحاء بالمفسدين؟ فقال: يخرج كل طائفة منكم من فيها من المفسدين. فصار الرجل يخرج ولده، وأخاه، وابن عمه، إلى أن اجتمع نحو مائة نفسٍ، فأمر أهلهم أن يتولوا قتلهم، ففعلوا ذلك. فخرجت من المغرب إلى صقلية خوفًا على نفسي من أهل المقتولين.

قال عبد الواحد: قلت: كان عبد المؤمن من أفرد العالم في زمانه على هناته.

قال عبد المؤمن بن عمر الكحال في أخبار ابن تومرت: توجه أمير المؤمنين عبد المؤمن إلى بلاد إفريقية، فسار في مائة ألف فارس محصاةً في

<<  <  ج: ص:  >  >>