ديوانه، سوى ما يتبعها، وكانوا يصلون كلهم خلف إمامٍ واحد.
قال: وكان هو يصلي الصبح مبكرًا، ثم يركب ويقف عند باب خيمته، وبين يديه مناد يقول بصوتٍ عالٍ: الاستعانة بالله، والتوكل عليه. فينتظم حوله الكبراء على خيلهم فيدعو ويؤمنون، ثم يأخذ في قراءة حزب من القرآن، وهم يقرؤون معه بصوتٍ واحدٍ يسرون، فإذا فرغ أمسك عنان فرسه، فيدعو ويؤمنون، ثم يلحق أولئك الأعيان، ويلقبون بالطلبة والحفاظ لا بالأمراء والقواد، إلى عساكرهم، ويبقى وحده وحوله ألوف من عبيده السود رجالةً بالرماح والدرق. وكان إذا مر على قوم ٍسلم ودعا لهم فيؤمنون، وكان فصيحًا بالعربية، حسن العبارة.
قال: وكان في جوده بالمال كالسيل، وفي حبه لحسن الثناء كالعاشق، مجلسه مجلس وقار وهيبة، مع طلاقة الوجه. انعمرت البلاد في أيامه، وما لبس قط إلا الصوف طول عمره، وما كان في مجلسه حصير، بل مفروش بالحصباء، وله سجادة من الخوص تحته خاصة. وأما الأندلس فاختلت أحوالها اختلالا بينًا أوجب تخاذل المرابطين وميلهم إلى الراحة، فهانوا على الناس، واجترأ عليهم الفرنج، وقام بكل مدينة بالأندلس رئيس منها، فاستبد بالأمر، وأخرج من عنده من المرابطين. وكادت الأندلس تعود إلى مثل سيرتها بعد الأربعمائة عند زوال دولة بني أمية. فأما بلاد إفراغة فاستولى عليها صاحب أرغن لعنه الله، ثم أخذ سرقسطة ونواحيها، فلا قوة إلا بالله. وأما أهل شرق الأندلس بلنسية ومرسية، فاتفقوا على تقديم الزاهد عبد الرحمن بن عياض، بلغني عن غير واحدٍ أنه كان مجاب الدعوة، بكاء، رقيقًا، فإذا ركب للحرب لا يقوم له أحد. كان الفرنج يعدونه بمائة فارس، فحمى الله بابن عياض تلك الناحية مدة إلى أن توفي رحمه الله، ولا أتحقق تاريخ وفاته، فقام بعده خادمه محمد بن سعد وهو خليفته على الناس، فاستمرت أيامه إلى أن مات سنة ثمانٍ وستين وخمس مائة. وأما أهل المرية فأخرجوا عنهم أيضًا المرابطين، وندبوا للأمر عليهم الأمير أبا عبد الله بن ميمون الداني، فأبى عليهم، وقال: إنما وظيفتي البحر وبه عرفت. فقدموا عليهم عبد الله بن محمد