الفتاوى على الخليفة فاستُتيب، وأُحرقت الكتب في محفل. وكان فيها أن لا مدبر للعالم سوى الكواكب، وأنها هي الرازقة. ووهت حًرمة بني عبد القادر، وأخرجوا عن مدرستهم، وسُلمت إلى ابن الجوزي.
وفيها عُزل قاضي القُضاة العباسي لأنه حكم في كتابٍ زوّره حاجبه أبو جعفر وابن الحراني.
وفيها نفذ شهاب الدّين السهروردي رسولًا إلى زعيم خلاط بكتمر.
وفي رجب عُقد مجلس بدار أستاذدار الخليفة، وأحضر أمير الحاج مجير الدّين طاشتكين متولي الحلَّة، ثمّ أخرج مكتوب فيه الخادم طاشتكين يخدم السّلطان ويقول: أنا مشدود الوسط في خدمتكم، وهذا وقتكم، والبلاد خالية، فإذا هادنت الفرنج وعدت إلى الشام فأنا أتولى الخدمة. وقد توج المكتوب بالقلم الشريف: إنا ما أسأنا إلى طاشتكين قط وله حقوق، غير أن باطنه رديء ما يحبنا. فأنكر طاشتكين، وزعم أن هذا الخط لايعرفه. فشهد عليه جماعة ممن يختص به وكذبوه. فحُبس، وكان له إلى هذه السنة تسع عشرة حجة. ووُلي أيلبا إمرة الحاج.
وبنى الخليفة دارًا هائلة مزخرفة في بستانها من الطير والوحش ما يبهت الرائي. فلما انتهت وهبها لولده أبي نصر محمد.
وفيها في المحرم، أعني سنة ثمانٍ، نزل الفرنج بعسقلان وهي خراب، فأخذوا في عمارتها.
وفي ربيع الآخر قُتل المركيس صاحب صور، وكان من شياطين الفرنج، قدم من البحر في مركبٍ بمالٍ وتجارة أيام فتح بيت المقدس، فدخل صور وأهلها في هَرج ومرج، وليس لهم رأس، فملكوه عليهم، فقام بأمرهم أتم قيام، وضبط البلد وحصَّنها، وحاصرهم صلاح الدّين مدة بعد فتح بيت المقدس فلم يقدر عليهم، فجرّد على البلد من يضيّق عليهم ورحل.
وكان المركيس أحد من بالغ في حصار عكا. وكان سبب قتله أن سنانًا مقدم الإسماعيلية بعث إليه صلاح الدّين أن يرسل من يقتل ملك الإنكلتار، وإن قتل المركيس فله عشرة آلاف دينار. فأرسل رجلين في زي الرهبان، فاتصلا بصاحب صيدا، فأظهرا العبادة، فأنس بهما المركيس، ووثق لهما