ذكره ابن السمعاني، وقال: هو الإمام الورع، التقي، الناسك، العامل بعلمه، والقائم بحقه، صاحب الأحوال والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تربية المريدين الصادقين، واجتمع في رباطه جماعة من المنقطعين إلى الله، ما لا يتصور أن يكون في غيره من الربط مثلهم، وكان من صغره إلى كبره على طريقة مرضية، وسدادٍ، واستقامة، خرج من قريته إلى بغداد، وقصد الشيخ أبا إسحاق، وتفقه عليه، ولازمه مدة، حتى برع في الفقه، وفاق أقرانه، خصوصًا في علم النظر، وكان أبو إسحاق يقدمه على جماعةٍ كثيرة من أصحابه، مع صغر سنه، لمعرفته بزهده، وحسن سيرته، واشتغاله بنفسه، ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة، وخلا بنفسه، واشتغل بعبادة الله، ودعوة الخلق إليها وإرشاد الأصحاب إلى الطريق المستقيم.
وسمع من شيخه: أبي إسحاق، وأبي الحسين ابن المهتدي بالله، وأبي بكر الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وعبد الصمد ابن المأمون، والصريفيني، وابن النقور، وببخارى من أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الطبري؛ وبسمرقند من: أبي بكر أحمد بن محمد بن الفضل الفارسي، وبأصبهان من: حمد بن أحمد بن ولكيز، وغانم بن محمد بن عبد الواحد الحافظ، وآخرين.
وكتب الكثير، غير أن أجزاءه تفرقت بين كتبه، وما كان يتفرغ إلى إخراجها، فأخرج لنا أكثر من عشرين جزءًا، فسمعناها. وقد دخل بغداد سنة ستٍ وخمسمائة، ووعظ بها، وظهر له قبولٌ تام، وازدحم الناس عليه، ثم رجع وسكن مرو، وخرج إلى هراة، وأقام بها مدة، ثم طلب منه الرجوع إلى مرو، فرجع، ثم خرج ثانيًا إلى هراة، ثم رجع إلى هراة، ثم خرج من هراة فأدركه الأجل بين هراة وبغشور.
وكان يقول: دخلت جبل زز لزيارة الشيخ عبد الله الجوي، وكان قد أقام عنده مدةً، ولبس من يده الخرقة، قال: فوجدت ذلك الجبل معمورًا بأولياء الله، كثير المياه والأشجار، وعلى رأس كل عينٍ رجلٌ مشتغل بنفسه، صاحب مقامٍ ومجاهدة، فكنت أدور عليهم وأزورهم، ولا أعلم في ذلك الجبل حجرًا