اختلفت مناهج المؤرخين المسلمين في الاهتمام بالنقد، فاعتنت به طائفة منهم وأهملته طائفة أخرى. ثم وجدنا بعد ذلك تفاوتًا بين المعنيين به فَأَكْثَرَ من الاهتمام به قسمٌ منهم مثل الخطيب البغدادي "ت ٤٦٣ هـ"، وابن الدبيثي "ت ٦٣٧ هـ"، وابن النجار "ت ٦٤٣ هـ"، بينما أولاه القسم الآخر عناية أقل، فلم يظهر في كتبهم بشكل واسع مثل المنذري "ت ٦٥٦ هـ" وتلميذه عز الدين الحسيني "ت ٦٩٥ هـ".
أما الذهبيُّ فقد كان من المعنيين بالنقد كل العناية بحيث أصبح يحتل مكانًا بارزًا في كتبه، وألف الكتب الخاصة به، ولذلك وجدناه عظيمَ الاهتمام به في كتابه "تاريخ الإسلام"، مارسه في كل أقسامه واعتبره جزءًا أساسيًا من منهجه في الدراسة التاريخية.
انطلق الذهبي في هذه العناية وذاك الاهتمام من تكوينه الفكري المتصل بدراسة الحديث النبوي الشريف وروايته ودرايته الذي يؤكد ضرورة تبيين أحوال الرواة ودرجة الوثوق بهم بتمييز الصادقين منهم عن الكاذبين، فسحبه بعد ذلك على جميع كتابه سواء أكان ذلك في تراجم المحدثين أم في غيرهم وسواء أكانوا من المتقدمين أم من المتأخرين، كما طَبَّقَهُ في نقد الأخبار أيضًا.
أولًا: أنواع النقد وأساليبه:
لم يقتصر الذهبي على نوع واحد من أنواع النقد، ولم يُعْنَ بمجالٍ واحد من مجالاته، فقد عني بنقد المترجمين وتبيان أحوالهم، وأصدر أحكامًا وتقويمات تاريخية، وعني بنقد الروايات التي وجد مجالًا للنقد فيها.