وفيها توفيت خولة أخت سيف الدولة بحلب، وهي التي رثاها المتنبّي بقوله:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب.
كناية بهما عن أشرف النّسب.
ومن سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة استضرت الروم على الإسلام بكائنة حلب، وضعف أمر سيف الدولة بعد تيك الملاحم الكبار التي طير فيها لب العدو ومزقهم، فلله الأمر وما شاء الله كان.
وفيها عبرت الروم الفرات لقصد الجزيرة، وأغلق أهل الموصل الأسواق، واجتمعوا في المسجد الجامع لذلك، ومضوا إلى ناصر الدولة، فضمن لهم العدو، ووردت الكتب من بغداد أن الرعية أغلقت الأسواق وذهبوا إلى باب الخلافة ومعهم كتاب يشرح مصيبة حلب وضجوا، فخرج إليهم الحاجب وأوصل الكتاب إلى الخليفة، فقرأه ثم خرج إليهم فعرفهم أن الخليفة بكى وأنه يقول: قد غمني ما جرى، وأنتم تعلمون أن سيفي معز الدولة، وأنا أرسله في هذ، فقالوا: لا نقنع إلا بخروجك أنت، وأن تكتب إلى سائر الآفاق وتجمع الجيوش، وإلا أن تعتزل لنولي غيرك. فغاضه كلامهم، ثم وجه إلى دار معز الدولة، فركب ومعه الأتراك وصرفوهم صرفا قبيحا. ثم لطف الله وجاءت الأخبار بموت طاغية الروم، وأن الخلف واقع بينهم فيمن يملكونه، فطمع عسكر طرسوس، ودخلوا أرض الروم في عدة وافرة، ولججوا، فالتقوا بالروم ونصروا عليهم، وعادوا. ثم عادوا بغنائم لم ير من دهر مثلها. فلما ردوا إلى الدرب إذا هم بابن الملابني على الدرب فاقتتلوا طول النهار، ونصر المسلمون.
وبلغ سيف الدولة أيضا اختلاف الروم، فبادر، ودوخ الأعمال، وأحرق، وحصل من السبي أكثر من ألفين، ومن المواشي مائة ألف رأس، وفرح المؤمنون بالنصر والاستظهار على العدو.
ثم بعد شهر أو شهرين توجه سيف الدولة غازيا، فسار على حران، وعطف على ملطية، فملأ يديه سبيا وغنائم. ثم خرج إلى آمد.
وفي شعبان ورد غزاة خراسانية نحو الستمائة إلى الموصل يريدون الجهاد.