ولكن أمير المؤمنين ولاني الشام وأنا أريدها، فقال الشاميون لعبد الله: كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا ويقتل ويسبي ولكن نسير إلى بلادنا ونمنعه، فقال: إنه ما يريد الشام ولئن أقمتم ليقصدنكم، ثم كان القتال بينهم نحواً من خمسة أشهر، وأهل الشام أكثر فرساناً وأكمل عدة، وكان على ميمنتهم بكار بن مسلم العقيلي، وعلى الميسرة خازم بن خزيمة، واستظهر الشاميون غير مرة، وكاد عسكر أبي مسلم أن ينهزموا وهو يثبتهم ويرتجز:
من كان ينوي أهله فلا رجع فر من الموت وفي الموت وقع
ثم أردف القلب بميمنته وحملوا على ميسرة عبد الله فكانت الهزيمة، وقال عبد الله لابن سراقة الأزدي: ما ترى؟ قال: أرى أن نصبر ونقاتل فإن الفرار قبيح بمثلك وقد عبته على مروان، قال: إني أقصد العراق، قال: فأنا معك، فانهزموا وخلوا عسكرهم فاحتوى عليه أبو مسلم بما فيه وكتب بالنصر إلى المنصور فبعث مولى له يحصي ما حواه أبو مسلم، فغضب عندها أبو مسلم وتنمر وهم بقتل المولى، وقال: إنما لأمير المؤمنين من هذا الخمس، ومضى عبد الله بن علي وأخوه عبد الصمد، فأما عبد الصمد فقصد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فأمنه المنصور، وأما عبد الله فأتى أخاه سليمان متولي البصرة فاختفى عنده وأما المنصور فخاف من غيظ أبي مسلم وأن يذهب إلى خراسان فكتب إليه بولاية الشام ومصر، فأقام بالشام واستعمل على مصر، فلما أتاه الكتاب أظهر الغضب وقال: يوليني مصر والشام وأنا لي خراسان! وعزم على الشر، وقيل: بل شتم المنصور لما جاءه من يحصي عليه الغنائم، وأجمع على الخلاف، ثم طلب خراسان، وخرج المنصور إلى المدائن، وكان من دهاة العالم لولا شحه، وكتب إلى أبي مسلم ليقدم عليه، فرد عليه إنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، فإن أرضاك ذاك فأنا كأحسن عبيدك، وإن أبيت نقضت ما أبرمت من عهدك ضناً بنفسي، فرد عليه المنصور الجواب يطمئنه مع جرير بن يزيد البجلي، وكان واحد وقته فخدعه ورده.