الدنانير وحملها على رأسه، فضحك الناس منه، فقال: دعوني أطعمه عيالي ثم أستغني بعد ذلك، ولم يبق من نعمة قطب الدين في ساعة واحدة لا قليل ولا كثير. وأما العامة فثاروا بأعوان قطب الدين، وأحرقوا من دورهم مواضع كثيرة، وبقي أهلها في جزع وحيرة، وقصدوا الحلة، ثم طلبوا الشام وقد تقلل جمعهم، وبقي مع قايماز عدد يسير.
ثم خلع على الوزير ابن رئيس الرؤساء، وأعيد إلى الوزارة، وكتب الفقهاء فتاويهم أن قايماز مارق، وذلك في ذي القعدة. ثم جاء الخبر في ذي الحجة أن قايماز توفي، وأن أكثر أصحابه مرضى، فسبحان مزيل النعم عن المتمردين.
وفيها ملك صلاح الدين دمشق بلا قتال، وكتب إلى مصر رجل من بصرى في الرابع والعشرين من ربيع الأول، وقد توجه صاحبها في الخدمة: ثم لقينا ناصر الدين ابن المولى أسد الدين والأمير سعد الدين بن أنر، ونزلنا في الثامن والعشرين بجسر الخشب، والأجناد إلينا متوافية من دمشق. وأصبحنا ركبنا على خيرة الله، فعرض دون الدخول عدد من الرجال، فدعستهم عساكرنا المنصورة وصدمتهم، ودخلنا البلد، واستقرت بنا دار ولدنا، وأذعنا في أرجاء البلد النداء بإطابة النفوس وإزالة المكوس، وكانت الولاية فيهم قد ساءت وأسرفت وأجحفت، فشرعنا في امتثال أمر الشرع.
ثم نازل صلاح الدين حمص، ونصبت المجانيق على قلعتها حتى دكتها. وسار إلى حماة فملكها في جمادى الآخرة، ثم سار إلى حلب وحاصرها إلى آخر الشهر، واشتد على الصالح إسماعيل ابن نور الدين بها الحصار، وأساء صلاح الدين العشرة في حقه، واستغاث الصالح بالباطنية ووعدهم بالأموال، فقتلوا الأمير ناصح الدين خمارتكين وجماعة، ثم قتلوا عن آخرهم. ورجع الناصر صلاح الدين إلى حمص فحاصرها بقية رجب، وتسلمها بالأمان في شعبان. ثم عطف على بعلبك فتسلمها، ثم رد إلى حمص وقد اجتمع عسكر حلب، وكتبوا إلى صاحب الموصل فجهز جيشه، وأمدهم بأخيه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي، فأقبل الكل إلى حماة فحاصروا البلد، فسار صلاح الدين فالتقاهم على قرون حماة، فانكسروا أقبح كسرة، ثم سار إلى جهة حلب.
ثم وقع الصلح بينه وبين ابن زنكي على أن يكون له إلى آخر بلد حماة