معاصرة في الحوادث (١) فإنه لم يجز لنفسه ذلك في التراجم عمومًا إلا في الحالات التي تعذر عليه فيها الوقوف على مؤلفات عاصرت صاحب الترجمة، فمع أنه اختصر كتبًا ضخمة في الرجال والتراجم استوعبت فترات زمنية طويلة مثل "تاريخ دمشق" لابن عساكر المتوفى سنة ٥٧١ هـ الذي تناول فيه تراجم الدمشقيين ومن ورد إليها من أول الإسلام إلى أيامه، وكتاب "الضعفاء" لابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ الذي شمل الضعفاء من الرواة من أول ظهورهم إلى أيامه، فإنه لم يعتمد مثل هذه الكتب في الفترات التي لم يعاصرها مؤلفوها ولم ينقل منها إلا نصوصًا قليلة دفعته الضرورة إليها في الأغلب الأعم، في حين استوعب جل التراجم التي عاصروها، ونقل آراء المؤلفين في المترجمين جرحًا وتعديلًا. ونلاحظ هذا الأمر أكثر وضوحًا في كتب الحوليات التي تناولت الحوادث والتراجم وشملت تاريخ الإسلام كله حتى عصر مؤلفيها مثل كتاب "المنتظم" لابن الجوزي، و"مرآة الزمان" لسبطه، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير وغيرهم، فإننا لم نجد إلا نقلًا نادرًا جدًّا عن التراجم المذكورة في هذه التواريخ مما لم يعاصرها مؤلفوها، فإذا ما دخل الكتاب عصر المؤلف وسار فيه قليلا وجدنا الذهبي يعنى العناية البالغة في الأخذ عنه والانتقاء منه.
[٢ - الاهتمام بموارد الكتب التي ينقل منها]
إلا أن هذا الذي ذكرناه من عناية الذهبي في اعتماد المؤلفات المعاصرة لم يتوفر له دائمًا، بسبب عدم انتشار التدوين في القرن الأول الهجري وضياع كثير من المؤلفات التاريخية التي كتبت في القرنين الثاني والثالث الهجريين فلم تصل إلى أهل القرن الثامن، وعدم قدرته في الحصول على بعض الكتب لسبب من الأسباب.
(١) لا يدخل ضمن هذا الكلام الفترة الأولى من التاريخ الإسلامي بسبب عدم انتشار التأليف من جهة، وضياع الكثير مما أُلِّفَ عند أول انتشاره من جهة أخرى. على أننا وجدنا الذهبي ينقل في بعض الأحيان بعض الحوادث القصيرة من الغرائب من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي ابتداء من القرن الرابع الهجري ويضعها عادة في نهاية السنة وهي قليلة عمومًا. ويصح هذا أيضًا في نقله بعض هذه الحوادث من ذيل المنتظم لابن البزوري ابتداء من سنة ٥٧٥ هـ.