فلا بات ليل الشامتين بغبطةٍ ولا بلغت آمالهم ما تمنت فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتني، وروعة فاجأتني، ونعمة سلبتها بعد أن غمرتني. فإن عاقبت فبحقك، وإن عفوت فبفضلك. فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة.
حكى الصولي أن المأمون كان يحب اللعب بالشطرنج، واقترح فيه أشياء، وكان ينهى أن يقال: تعال نلعب، ويقول:، بل نتناقل، ولم يكن بها حاذقا، فكان يقول: أنا أدبر أمر الدنيا وأتسع لها، وأضيق عن تدبير شبرين. وله فيها:
أرضٌ مربعةٌ حمراء من أدمٍ كما بين إلفين معروفين بالكرم تذاكرا الحرب فاحتالا لها حيلا من غير أن يأثما فيها بسفك دم هذا يغير على هذا وذاك على هذا يغير وعين الحزم لم تنم فانظر إلى فطنٍ جالت بمعرفةٍ في عسكرين بلا طبلٍ ولا علم وقيل: إن المأمون نظر إلى عمه إبراهيم بن المهدي وكان يلقب بالتنين، فقال: ما أظنك عشقت قط. ثم أنشد:
وجه الذي يعشق معروف لأنه أصفر منحوف ليس كمن يأتيك ذا جثةٍ كأنه للذبح معلوف وعن المأمون قال: أعياني جواب ثلاثة. صرت إلى أم ذي الرياستين أعزيها فيه، فقلت: لا تأسي عليه فإني عوضه لك، قالت: يا أمير المؤمنين وكيف لا أحزن على ولدٍ أكسبني مثلك، وأتيت بمتنبئ فقلت: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، قلت: ويحك، موسى كانت له آيات فأتني بها حتى أؤمن بك، قال: إنما أتيت بهذه المعجزات فرعون، إذ قال أنا ربكم الأعلى. فإن قلت كذلك أتيتك بالآيات.
قال: وأتى أهل الكوفة يشكون عاملهم فقال خطيبهم: هو شر عاملٍ. أما في أول سنةٍ فإنا بعنا الأثاث والعقار، وفي الثانية بعنا الضياع، وفي الثالثة نزحنا عن بلدنا وأتيناك نستغيث بك. فقلت: كذبت، بل هو رجل قد حمدت مذهبه، ورضيت دينه، واخترته معرفةً مني بكم وتقديم سخطكم على العمال. قال: صدقت يا أمير المؤمنين وكذبت أنا. فقد خصصتنا به هذه المدة دون باقي البلاد، فاستعمله على بلدٍ آخر ليشملهم من عدله وإنصافه مثل الذي